x

د. أحمد جلال وزير المالية السابق لـ«المصري اليوم»: فقدنا 32 مليار دولار «من أجل سواد عيون الجنيه»

السبت 19-12-2015 23:05 | كتب: مصباح قطب |
صورة أرشيفية صورة أرشيفية تصوير : محمد هشام

كشف الدكتور أحمد جلال، أستاذ الاقتصاد، وزير المالية الأسبق، أن البنك المركزى يواجه 3 خيارات وصفها بـ«المرة»، وهى خفض قيمة الجنيه، أو تثبيت قيمته، أو التدخل الإدارى للدفاع عنه، وأن نسبة المغالاة فى قيمة الجنيه يمكن أن تكون فى حدود 10%، لأن معدل التضخم فى مصر حوالى 12% وفى دول الشركاء التجاريين حوالى 2% وفروق سعر الفائدة بين مصر والدول الأخرى فى نفس الحدود.

ونفى جلال، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، عن جوانب السياسة النقدية فى مصر، والجدل الدائر بشأنها، معاناة مصر من مشكلة بشأن الأجل القصير، ولفت إلى أن عدم إدارتها بشكل جيد له تأثير سلبى على الطبقة المتوسطة والفقراء، نظرا لانعكاس التضخم على حياتهم، وكذلك المستثمر نتيجة التخوف من مستقبل قيمة العملة والقدرة على تحويل رؤوس الأموال، ونظرا لتأثر الصناع بشأن قدرتهم على استيراد المواد الخام.

وأكد أن سوء إدارة سعر الصرف هو أخطر مشكلة فى الأجل القصير، لأنه يؤثر على الاقتصاد وقد يسبب كوارث، مثلما حدث فى دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية فى السنوات الماضية، لافتا إلى عجز السياسة النقدية، خلال السنوات الماضية، وشدد على ضرورة التفرقة بين طريقتين بشأن النظر فى سعر الصرف، أولاهما زاوية تأثيره على النشاط الحقيقى فى الاقتصاد، والثانية سعر الصرف باعتباره ظاهرة نقدية لها تأثير مستقل على التضخم والسيولة وحركة رأس المال وسعر الفائدة واحتياطى العملة الصعبة، خصوصا مشكلة سعر الصرف، باعتباره أحد أعمدة السياسة النقدية.

وقال جلال إنه بالنظر إلى التحديات، التى تواجه محافظ البنك المركزى، يمكن القول إنه فى وضع لا يحسد عليه، وأشفق عليه، لأن المركزى لديه 3 خيارات تتراوح بين المر، والأكثر مرارة، وهى: خفض قيمة الجنيه مقارنة بالدولار (أو سلة من العملات)، أو تثبيت قيمة الجنيه، أو التدخل الإدارى للدفاع عنه.

وأوضح أنه فى حالة تخفيض قيمة الجنيه سوف يحقق قدرا من التوازن فى الميزان التجارى (تخفيض الواردات وزيادة الصادرات)، إلا أن ذلك سوف يزيد من مستوى الأسعار، ويؤثر بالسلب على محدودى الدخل ويثير اعتراض المستوردين للمواد الأولية وغيرها، وفى ظلال الأوضاع الحالية فإن ارتفاع التضخم غير مقبول سياسيا، وفى حالة تثبيت سعر الصرف فإنه لا يمكن المضى فيه لمدى زمنى طويل إلا بوجود «واحد يدينا عملة صعبة ببلاش أو منح»، لدعم الاحتياطى النقدى والدفاع عن الجنيه، وهو ما لا يمكن الاعتماد عليه، وقد يؤدى إلى انهيار الجنيه بعد فترة كما حدث فى المكسيك، ودول عانت من انهيار عملتها، وتابع أن البديل الثالث، وهو التحكم فى الموارد المتاحة من الدولار، يكون باستخدام قيود مع رفع الفائدة على الودائع بالجنيه وتحديد مجالات بعينها لتمويلها واستبعاد أخرى، مشيرا إلى أن هذا الحل عادة يكبت التفاعل بين العرض والطلب ويوقف الحال أو يؤدى إلى التباطؤ الاقتصادى لأنه يؤدى إلى زيادة تكلفة الدين الحكومى، والحد من الاستثمار والتشغيل واتساع السوق السوداء.

وحول نقده للمفهوم السائد بشأن استقلالية البنك المركزى، قال: «استقلالية البنك المركزى شعار أسىء استخدامه، لأن الاستقلالية تكون فى الأدوات وليس فى الأهداف، والأهداف تضعها الحكومة بالتشاور مع البنك المركزى، وبعد حوار مع المجتمع، وكما كررت مرارا فإن السياسة النقدية أخطر من أن تترك للمصرفيين وحدهم».

وأعلن أن هناك 3 أوجه للقصور فى السياسة النقدية، من وجهة نظره، أولها وجود هوس فيما يتعلق بالرغبة فى استقرار سعر الصرف، وفقد الاحتياطى نحو 20 مليار دولار، خلال 18 شهرا من ينار 2011 إلى نهاية يونيو 2012، لأن المركزى كان يتعامل بطريقة كمية، من خلال طرح دولارات من الاحتياطى، لتلبية أى طلبات بالأسعار التى قررها ليبعث برسالة إلى السوق بأن سعر الجنيه أمام الدولار طبيعى، بدليل أنه قادر على توفير الدولار لمن يريد ولأى غرض، ما ترتب عليه تكلفة عالية.

وأكد أن البنك المركزى، لو ترك السعر ليعكس الندرة، لما احتاج إلى ضخ كل تلك الدولارات انتقاصا من الاحتياطى، مشيرا إلى أننا فقدنا تلك الدولارات من أجل سواد عيون الجنيه، وأنه حينما حصلنا على منح خارجية ضخمة (12 مليار دولار) استخدمناها للحفاظ على قيمة الجنيه بنفس الطريقة، وما كنا نحتاجه هو مرونة أعلى فى سياسة سعر الصرف، وكان هناك وقت مناسب لذلك بعد 2011، ووقت مناسب آخر بعد الحصول على المنح الخليجية.

وأضاف جلال أن الوجه الثانى للقصور فى السياسة النقدية كان التصور المغلوط بأن البنك المركزى يمكنه السيطرة على 3 متغيرات محددة فى وقت واحد، وهى: سعر الصرف، وسعر الفائدة، مع السماح بحرية حركة رأس المال، وهذا أمر لم يحدث فى أى مكان فى العالم، وتابع: «نحن نصر كل مرة على تحقيق تلك المعجزة لتكون انفرادا مصريا ولا نتعلم من فشلنا المحتوم فيها، فما هو معروف أن البنك المركزى يمكن أن يتحكم فى اثنين من تلك المتغيرات على أن يترك المتغير الثالث يتحرك طبقا للتطورات على الأرض أى فى الواقع».

وأوضح أن الوجه الثالث للقصور هو عدم الإفصاح وعدم الشفافية وغياب الإعلان عن أهداف السياسة النقدية مسبقا، مؤكدا أن التوقعات هى الحاكم الفعلى للاستثمار الذى هو فكرة مستقبلية، ولذلك فإن البنوك المركزية فى معظم دول العالم توجه كل فترة محددة رسالة للبرلمان والمجتمع عموما عن التوقعات والمستهدفات للسياسة النقدية، دون أن يعنى ذلك أنها تتحدث أو يجب أن تتحدث عن رقم محدد للتضخم على سبيل المثال. وأشار جلال إلى أنه يجب وجود نظرة شاملة للسياسة النقدية ودور سعر الصرف فيها، موضحا أن النظرة الجزئية من أسباب فشلنا حتى الآن، وأن مشكلتنا ليست بحدة ما مرت به الأرجنتين أو المكسيك أو اليونان أو دول آسيا.

وعن رأيه فى نسبة المغالاة فى قيمة الجنيه أكد جلال أنها بشكل عام يمكن أن تكون فى حدود 10%، حيث إن معدل التضخم فى مصر حوالى 12% وفى دول الشركاء التجاريين حوالى 2% وفروق سعر الفائدة بيننا وبين الدول الأخرى فى نفس الحدود.

وتابع: «فى تصورى أن تخفيض الجنيه بهذا القدر والسماح بدرجه أعلى من المرونة سوف تكون له آثار تضخمية ولكن ليس بقدر كبير، خاصة أن الواردات تشكل 20% من الدخل القومى، وحتى مع انعكاسات زيادة أسعار الواردات على بقية أجزاء الاقتصاد لن يكون الأثر التضخمى كبيرا، ومطلوب من الاقتصاديين أن يقدروا أثر كل زيادة فى سعر الصرف على الاقتصاد والأسواق، أما فيما يتعلق بحماية الفقراء من موجات التضخم فلا يجب أن يتم ذلك بتثبيت سعر الصرف، ولكن بإجراءات حمائية تضمن تحقيق نمو مرتفع مع عدالة اجتماعية وإحداث توازن بينهما وإلا سيحدث ما لا تحمد عقباه مرة أخرى».

وقال جلال إنه بالنسبة لقرض صندوق النقد الدولى يمكن القول إن مصر لا تكره الصندوق ولا تحبه وهى عضو مؤسس فيه، لافتا إلى أنه ينبغى أن ننظر إلى احتياجاتنا التمويلية أولا، وأيها نستطيع تدبيره محليا، وبعد ذلك ننظر إلى المصادر الخارجية، ومنها الصندوق، مضيفا: «أختلف مع من يحذر من الاقتراض من الخارج، فنسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى فى مصر تقدر بنحو 16% وهى نسبة أقل من غيرنا بكثير، والأجواء العالمية الحالية مواتية للاقتراض بتكاليف محدودة، خاصة من بعض المؤسسات الدولية وذلك لبناء البنية التحتية بالأساس».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية