قال الدكتور أحمد جلال، وزير المالية السابق، إن تقييم الأمور الخاصة بالحكومات، ونظام الحكم يحتاج فترة طويلة، وإن عاما واحدا غير كاف لتقييم أداء الرئيس ومؤسسة الرئاسة.
وأضاف «جلال» فى حواره لـ«المصرى اليوم» أن ذلك لا يعنى فشل الجميع فى إحراز تقدم فى الملفات التى تعمل عليها الرئاسة والحكومة، وأنه بالفعل حدث تقدم ملموس على عدة محاور ضمن تلك الملفات، الأمر الذى يمكن من خلاله إضاءة شعاع أمل لمواصلة هذا التقدم.
■ ما تقييمك للموقف الاقتصادى والاجتماعى بعد عام من انتخاب الرئيس السيسى؟
- يجب أن يسبق أى تقييم التأكيد على أن الظواهر تشير إلى أن الرئيس ورئيس الوزراء لديهما رغبة حقيقية فى إصلاح أحوال البلاد، والمواطنين، وأنهما يحاولان بإخلاص، وتفان نادر إحداث تغيير على الأرض يشعر به المواطنون، وإذا شئنا إبراز أهم الإنجازات فى السنة الأولى للرئيس، وحكومته فمنها: أن الأمن أصبح أكثر استقرارا، وأن رؤية المستثمرين الأجانب، والمصريين للوضع الاقتصادى، والفرص الكامنة أفضل بكثير، خاصة فى أعقاب مؤتمر شرم الشيخ، وأن بعض المشروعات الكبرى لقيت تجاوبا شعبيا ضخما، وعلى رأسها مشروع التنمية فى منطقة قناة السويس، أما أهم إنجاز تم على صعيد إصلاح السياسات، فكان بدء التخلص من دعم الطاقة غير المبرر، مع إطلاق برنامجى تكافل وكرامة فى مجال تعزيز الحماية الاجتماعية.
■ لكن مع كل هذه التغييرات لايزال هناك شعور بأن الانطلاق لم يبدأ بعد وأن ثمة ارتباكات فى المشهد الاقتصادى الاجتماعى؟
- بالفعل.. هناك عوامل موضوعية جعلت التغيير الحقيقى فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية لايزال بعيدا عن محطة قيام مبشرة، ولا أقول وصول، لأن الوصول يحتاج مسافة زمنية ممتدة، ثم إن كل وصول لهدف يصاحبه بزوغ أهداف أخرى فى عملية لا تنتهى، من بين هذه العوامل أن فترة سنة فى عمر أى حكومة هى قصيرة للغاية مقارنة بما هو مطلوب من إصلاحات.
■ لكن ما الذى يمكن أن نقلق عليه أو من أجله سواء مع الحكومة الحالية أو المقبلة؟
- مشاكلنا العويصة مازالت «بخيرها»، أى أن أحدا لم يقترب منها بالعمق اللازم بعد، وباختصار هى تتعلق بالتوازنات فى الاقتصاد الكلى وبمستويات النمو والتشغيل وبتحقيق العدالة الاجتماعية بالمفهوم الحقيقى لها.. التعامل مع تلك المشاكل حاليا يتم بشكل جزئى رغم كل حسن النوايا.
■ هل من تفاصيل أوضح لأهم التحديات والتعامل الراهن والمستقبلى معها؟
- السياسة المالية على سبيل المثال تحتاج إعادة نظر كلية، وإن رفع أو خفض الضرائب أو تأجيل ضريبة أو العمل بأخرى أو تجميد ضريبة الأرباح الرأسمالية، كلها تفاصيل جزئية فالأهم هو أننا شعب لا يدفع ضرائب، والضرائب كنسبة إلى الناتج المحلى 14 - 15% وهى فى الدول المثيلة لنا من 20 إلى 25%، وليس للضرائب عندنا سمة تصاعدية بحق والمجتمع الضريبى محدود، وهناك قطاع غير رسمى واسع، وأرباب المهن الحرة يدفعون ملاليم، ولابد من إصلاح هيكلى شامل للمنظومة الضريبية.
■ ماذا عن الإنفاق العام؟
- أهم بنوده دعم الطاقة وهناك غموض فيما يتعلق باستمرار أو عدم استمرار دعم المواد البترولية، وتضارب فى التصريحات حول الهدف من الكروت الذكية، وغياب برنامج واضح للتعامل الشفاف مع تلك القضية، ويترتب على ذلك أنه لن تتوفر موارد كافية للإنفاق على العدالة والحماية الاجتماعية، وقطاع الكهرباء أصبح الوحيد صاحب البرنامج الواضح فى هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك هناك مشاكل إنفاق عام خاصة بتزايد أجور العاملين فى الحكومة وتكلفة الدين العام.
■ ماذا عن التحديات التى تواجه السياسة النقدية، وتواجه المركزى المصرى؟
- القضاء على السوق السوداء فى العملة عمل مطلوب لكن التغنى الدائم به يعنى أن البنك المركزى يستهدف سعر الصرف، وهذا تناقض، فقانونه يقول إنه يستهدف تحقيق استقرار الأسعار فى المدى المتوسط، أى يستهدف التضخم فإذا كان يستهدف سعر الصرف فلابد من تغيير القانون وإذا كان يستهدف التضخم فليعلن البنك المركزى ما هو معدل التضخم الذى يستهدفه.
■ البنك المركزى مهموم بمستويات الأسعار والحكومة أيضا للتأثير الموجع على المواطنين؟
- حين نتكلم عن السيطرة على الأسعار نكاد لا نجد طرحا من قبل المسؤولين إلا زيادة المعروض بالمجمعات الاستهلاكية أو محاولة منع انفلات سعر الصرف للحفاظ على تكلفة معقولة للواردات. حسنا، لكن هناك أدوات أخرى قد تكون أكثر أهمية منها ما هو لدى البنك المركزى مثل إدارة المعروض النقدى بحنكة ومنها ما هو لدى غيره مثل كبح الممارسات الاحتكارية وتعظيم المنافسة وإصلاح خلل الأسواق الداخلية وتوسيع منافذ العرض وتنويعها... إلخ.
■ ما هى المشاكل الهيكلية الأخرى التى ترى أنها لم تحظَ بالعناية وتشكل تحديا فى المستقبل تجب مواجهته؟
- المشاكل والأزمات التى تحتاج إلى مواجهة جادة كثيرة، ولنأخذ بعض الأمثلة:
إصلاح المعاشات والتأمينات، وهذا ملف بالغ التعقيد والصعوبة لكن لا مفر من التصدى له. من حق الناس أن تحصل على معاش معقول لكن فلننظر إلى المنظومة كلها بما فيها الهيكل العمرى للسكان وأعداد المشتغلين وغير المشتغلين ومستويات الأجور والاشتراكات وطريقة إدارة الأموال المتراكمة وما يحقق استدامة النظام التأمينى وفض التشابكات المالية بين كل من المالية وبنك الاستثمار والتأمينات الاجتماعية.. أعرف أن ثمة ما قد تم فى المجال الأخير لكن الأمور كلها تمضى ببطء شديد. ومن الملفات الأخرى قطاع الأعمال العام وكيفية إصلاحه وإدارته بكفاءة ورشد.
■ تحدث كثيرون رسميا وأهليا عن وجوب تحديث القطاع غير الرسمى وإدماجه فى الرسمى فما مدى أهمية ذلك وما الذى تم فيه؟
- يجب النظر إلى هذا الأمر أولا باعتباره ضمن ملف تحقيق العدالة الاجتماعية قبل أى شىء آخر، فالقطاع الذى يولد نحو 45% من فرص العمل ويولد نحو 40% من الناتج ويعمل فيه الملايين بلا حماية أو تأمين صحى أو عقود أو أى ضمانات، فضلا عما يواجهه من مخاطر ومطاردات وتعرضه الدائم لمشاكل العجز عن النفاذ إلى التمويل وعدم القدرة على التصدير أو التوسع.
■ العرض السابق للتحديات يحتم السؤال عن المقارنة بين ما قامت به حكومة الدكتور الببلاوى - وأنت كنت من أعضائها - وبين حكومة المهندس محلب؟
- حكومة الببلاوى عملت فى ظروف أصعب بكثير. كان هناك اعتصاما رابعة والنهضة وما تلا فضهما من أعمال إجرامية ومن طوارئ ووقف السكك الحديدية... إلخ. وكان هناك عدم اعتراف دولى واسع بما حدث بعد 30 يونيو. مؤشرات الاقتصاد كانت سيئة وتجلت بخاصة فى ضعف النمو وزيادة الفقر والبطالة. ولم يكن هناك دستور وتلك ليست مسألة هينة فالدستور هو أساس قواعد اللعبة.
■ واقتصاديا؟
- قلنا بوضوح إن هناك ما سنقوم به فى الأجل القصير وما سنعده للأجل الطويل وغيرنا بلا تردد النهج الاقتصادى، ليصبح التوجه توسعيا لا انكماشيا، وبموارد وطنية قبل أن تأتى المساعدات العربية انطلقنا من أن الاقتصاد كان متباطئا والجانب الاجتماعى كان يحتاج إلى عناية خاصة واضحة، لهذا أعلنا تطبيق الحد الأدنى للأجورو برامج مثل التغذية المدرسية وخفض اشتراكات الطلبة وزيادة المعاشات الضمانية إلخ، وأعلنا سياسة ضريبية شملت العمل على قانون الضريبة العقارية ليصبح أكثر عدالة عما ورثناه وقلنا إن إصلاح ضرائب الدخل واجب لكن الوقت ليس ملائما لبطء النمو وبسبب الحاجة إلى تنشيط الاستثمارات، وعملنا على ضريبة القيمة المضافة بالتعاون مع صندوق النقد، وكان لدى حكومة الدكتور الببلاوى تصور كامل لمواجهة دعم الطاقة وخطة مفصلة للتعامل معه وكانت هناك حوارات جادة مع الدكتورة مها الرباط -وزيرة الصحة وقتها - حول قانون التأمين الصحى الشامل، وكذلك حوارات جادة حول قانون المعاشات مع الدكتور أحمد البرعى وقد تأسست فى وزارة المالية وحدة العدالة الاقتصادية لاستهداف الأسر بطريقة مختلفة غير نظام الدعم الحالى ولدمج وتحديث القطاع غير الرسمى.
■ ما الذى تحسبه لحكومة محلب إذن؟
- حكومة المهندس إبراهيم محلب أكثر نشاطا وتعمل فى ظروف أفضل نسبيا وأنجزت بعض الأمور المهمة كما أشرت فى بداية الحوار، لكن ما نعول عليه لإصلاح مصر بشكل حقيقى هو الحكومة التى ستعمل مع الرئيس فى إطار زمنى أطول ومساندة نيابية وشعبية أوثق بعد الانتخابات البرلمانية.