يا له من تعبير مخيف «ازدراء الأديان» لأنه حتى الذين لا يؤمنون بأى دين لا يستطيعون «ازدراء» مليارات البشر الذين يؤمنون بها، وإلا أصبحوا والمجانين سواء، فما بالك أن توجه هذه التهمة إلى كاتبة وشاعرة مثل فاطمة ناعوت، نثرها مثل شعرها يفيض عذوبة إنسانية، ومؤلفاتها مثل مترجماتها تنشأ فى أبنية جميلة تعكس أصلها المعمارى المتين.
محاكمة فاطمة ناعوت لمجرد أن شخصاً فسر كلمات لها على «تويتر» بما يرضيه ويحقق أغراضه، ونشر ذلك أثناء حملتها الانتخابية كمرشحة فى البرلمان، لا تحتاج إلى ذكاء كبير للربط بين الأمرين، ولاشك أنه كان أحد أسباب عدم فوزها فى هذه الانتخابات، ولكنها على أية حال فازت بمكانتها فى الأدب المصرى، ودورها فى إذكاء روح الثورة والتغيير منذ عقد ويزيد.
ومحاكمة أحمد ناجى عن روايته «استخدام الحياة»، بدعوى «خدش الحياء» ومحاكمة «أخبار الأدب» لأنها نشرت أحد فصول الرواية، تتكامل مع محاكمة فاطمة ناعوت فى التعارض الصريح مع دستور 2014 وتحديداً المادة 65 التى تنص على أن «حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير أو النشر»، وفى المادة 67 التى تعلن أن «حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة رعاية المبدعين وحماية إبداعهم»، ولست أدرى كيف توفق النيابة العامة بين المحاكمتين وهاتين المادتين من الدستور الذى وافق عليه الشعب بعد ثورتين ضد الديكتاتورية بكل أشكالها.
والأدهى أن أحمد ناجى أحيل إلى المحكمة استناداً إلى المادة 178 من قانون العقوبات، وذلك بناءً على شكوى من قارئ قال فيها إنها خادشة للحياء، وأنه عندما قرأ فى «أخبار الأدب» الفصل الذى نشرته من الرواية «تعرض لخفقان فى القلب ولإرهاق كبير بالإضافة إلى انخفاض فى ضغط الدم»، فهو حتى لم يقرأ الرواية كاملة حتى يعرف سياقها العام ورؤية الكاتب الفكرية، ويبدو أنه لم يقرأها حتى لا يصاب بسكتة قلبية!
الذى يعانى من خفقان القلب والإرهاق وانخفاض الضغط يذهب إلى الطبيب، وليس إلى النيابة العامة، والذى يشعر أن كلمات فاطمة ناعوت «تزدرى» الأديان عليه أولاً أن يقرأ أعمالها ليعرف فكرها قبل أن يذهب إلى النائب العام، إنما أنتم من تقللون من شأن الأديان وتخدشون الحياء، بل وتزدرون الحياة ذاتها.