فى الحربين العالميتين، الأولى والثانية، قتل الغرب (المتحضر) بأسلحة من صنع يديه أكثر من 50 مليوناً من البشر، ليس ذلك فقط، بل استخدمت الولايات المتحدة تحديداً قنابل نووية فى قصف الشعب اليابانى، ما فعله الأمريكيون بشعب فيتنام ربما لا يقل بشاعة، ما فعله الفرنسيون بالشعب الجزائرى الشقيق كذلك، ما فعله البريطانيون والغرب بصفة عامة فى دول أمريكا اللاتينية والقارة الأفريقية لا علاقة له بالإنسانية، سنوات وعقود وقرون الاستعمار مازالت تلقى بظلال التخلف على معظم دول العالم حتى الآن.
لم يكتفوا بذلك، رسموا جغرافيا (سايكس بيكو) على أهوائهم فى صورة حدود ملتهبة، قابلة لتفجير المنطقة، فى أى وقت وكل وقت، زرعوا نبتاً شيطانياً فى المنطقة يُدعى «إسرائيل»، لإثارة القلاقل والحروب طوال الوقت، شركاتهم احتكرت استخراج وتسويق النفط فى كل مكان، حصلوا مقابل ذلك على نسبة 35% من عوائد النفط، تصل فى بعض الأحيان إلى 40%، يبدو أنهم لم يكتفوا بذلك، يجب أن تشترى الشعوب أسلحة ببقية العوائد النفطية، ليظل التخلف عنواناً دائماً.
آخر الحروب التقليدية كان الغزو الأمريكى للعراق، الآن بدأ جيل آخر من الحروب، ليحارب العراق بعضه بعضاً، ليحارب السوريون بعضهم البعض، اليمنيون أيضاً، الليبيون كذلك، الكل يشترى السلاح، القتل حالة يومية فى صفوف أبناء الوطن الواحد، فى غياب العقل والمنطق والضمير، صراع الكراسى أصبح صراع الطوائف، وأحياناً صراع الحدود.
مازلنا نتحدث عن الغرب المتحضر، ونحن المتخلفون، هذه كانت سماحة الغرب، وطوال الوقت نحن المتشددون المتطرفون، نحن أتباع الديانة التى تحض على العنف، أما هم فهم دعاة الفضيلة، لدرجة أننا صدقنا دعاواهم، ومازلنا نصدقهم، مصانع السلاح لديهم تعمل على مدار الساعة، لإنتاج آلات القتل، بزعم تشغيل الناس ومحاربة البطالة، ويتشدقون طوال الوقت بمزاعم الأخلاق والرحمة والرفق بالحيوان.
لا ننكر أننا فى النهاية يجب أن نتحمّل مسؤولية أفعالنا، نحن مسؤولون عن ممارساتنا، حتى لو كان يقف خلفها شياطين الإنس الغربيون، حتى لو كان السلاح سلاحهم، حتى لو كان تنظيم مثل داعش من إنتاجهم، حتى لو كان هذا الزعيم، أو ذلك الرئيس، أو الملك، أو الأمير عميلاً لهم، بالتأكيد هؤلاء الشياطين هم الجناة الحقيقيون، هم المتهم الأول فى كل جنايات العصر الحديث، فى جناية غزو العراق للكويت، فى جناية الغزو السوفيتى لأفغانستان، الحرب العراقية- الإيرانية، ما سُمى «ثورات الربيع العربى» خلال السنوات الخمس الأخيرة، وما أسفرت عنه من دماء، دون أى نتائج إيجابية.
أعتقد أن النسبة الأكبر من الصراعات فى العالم يمكن أن تتراجع، بل تتلاشى بمرور الوقت إذا أغلقت مصانع السلاح أبوابها، إذا بحث الغرب عن بدائل للربح بخلاف تصنيع آلات القتل والدمار، إذا تم إنفاق تكاليف الحرب وصناعة السلاح على التنمية والتطور فى الدول المتحاربة، إذا تم نشر ثقافة الأخلاق والفضيلة، فعلاً وليس قولاً، أو للاستهلاك العالمى.
من هنا، أعتقد أن هذه يجب أن تكون قضية العالم الثالث الحقيقية، لا يجب أن نظل فى موقف المُدافع والمتهم طوال الوقت، المتهم معلوم، ولسنا فى حاجة إلى البحث عنه، فقط هو فى حاجة إلى الإشارة إليه فى عز الظهر، فى المنتديات والمنظمات الدولية، يجب أن نعمل على فضحهم وكشفهم طوال الوقت، ليكن مطلباً أساسياً فى كل المحافل، وهو إغلاق مصانع ذلك السلاح المتطور الذى ينشر الدمار فى الكرة الأرضية، أو على الأقل الحد من صناعة السلاح ككل مرحلياً، ليكن مطلباً رئيسياً وقف إمداد التنظيمات الإرهابية فى أى مكان فى العالم بالسلاح.
أتصور أننا أمام قضية عادلة، إلا أن القضية الأكثر عدلاً هى أن نكون على مستوى المسؤولية، بأن نتقى الله فى شعوبنا وأوطاننا، وألا نسير خلف شياطين الإنس، بمزيد من التسليح والتسلح، فى الوقت الذى تتضور الشعوب فيه جوعاً، حتى لو كان ذلك سوف يجبرنا على الانغلاق على أنفسنا لبعض الوقت، طال أو قصر، النتيجة محسومة سلفاً، هم الخاسرون.