أملك شجاعة الاعتراف بالخطأ، وأيضا شجاعة الاعتذار عنه.. فمنذ ثلاثة أيام كتبت هنا مقالاً بدأته بالشيخ عبداللطيف حسن طلحة، والذى قاله فى خطبة الجمعة بالسنغال للاعبى منتخب مصر الأوليمبى قبل يوم واحد من مباراتهم الأخيرة مع مالى فى البطولة الأفريقية.. واخترت لهذا المقال عنواناً هو «أطيعوا الله والرسول وحسام البدرى».. وأخذت هذه العبارة ونسبتها إلى الشيخ عبداللطيف، مبعوث الأزهر والمقيم فى السنغال، نقلا عن زملاء كثيرين أكدوا أن الشيخ قالها للاعبين فى خطبة صلاة الجمعة.. وكتبت أن الشيخ كان يقصد إلزام اللاعبين بطاعة مدربهم باعتباره ولى أمرهم.. وفوجئت، أمس، برسالة رقيقة من الشيخ عبداللطيف تضمنت كل ما قاله فى جمعتين خطب فيهما وصلى بالبعثة المصرية هناك إماما.. وأنه وجه رسالته من فوق المنبر للاعبين مؤكدا لهم أن مصر أمانة فى أعناقهم.. وأنه لابد من طاعة أولى الأمر سياسيا واقتصاديا وتعليميا ورياضيا..
واختتم الشيخ عبداللطيف بالتأكيد على أنه لم يقل مطلقا أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر.. وقال الشيخ أيضا فى رسالته إنه بإمكانى سؤال مسؤولى السفارة ومسؤولى المنتخب المصرى وكلهم كانوا حاضرين الصلاة وخطبتها وسيؤكدون أن تلك العبارة أبدا لم ترد على لسانه.. وبالتأكيد لن أسأل أى أحد اقتناعا بما قاله الشيخ عبداللطيف فى رسالته.. ولم يكن باستطاعتى تجاهل رسالة من شيخ أزهرى يقيم بعيدا جدا فى السنغال شعر بالظلم والأسى بعد أن نسب إليه الإعلام المصرى فى معظمه عبارة لم يقلها أصلا.. فلهذا الشيخ حق ولابد أن يكون له نفس الاحترام لأى إنسان مهما كان وكانت مكانته وقوته ونفوذه ومنصبه وشهرته.. ويدفعنى ذلك لتقديم اعتذار حقيقى للشيخ عبداللطيف أرجو أن يقبله.. فلست أحب أو أقبل إعلاما يمنح نفسه حق انتقاد الآخرين لكنه فى المقابل لا يقبل أن ينتقده أى أحد.. إعلام يطلب طوال الوقت حرية وحقوق مساءلة الآخرين ومراجعة أعمالهم وتصريحاتهم والسخرية منهم والانتقاص من قدر ومكانة أى مسؤول وأى أحد لكن نفس هذا الإعلام يقلب الدنيا ويملؤها صراخا حول الحرية إن انتقده أو لامه وراجعه أى أحد..
إعلام يخجل دوما من الاعتراف بحقائق كثيرة، منها أن الفضيحة ليست هى ارتكاب الخطأ إنما هى الاعتراف به علنا أمام الناس، فالأقوياء أبداً لا يخطئون.. وأن الضعف هو مجرد التفكير فى تقديم أى اعتذار مهما كان الخطأ فادحا وفاضحا مهنيا وأخلاقيا.. ومع اعترافى بالخطأ فى حق الشيخ عبداللطيف والاعتذار له.. يبقى التساؤل ضرورياً عن مدى قسوة وخطورة نقل كلام وأخبار غير حقيقية واختلاق قصص وعبارات لم يقلها أصحابها.. فالناس فى بلادنا باتت قابلة لتصديق أى شىء والسير وراء أى أحد أو رأى دون أى مراجعة أو تدقيق أو تقصٍ للحقيقة.. مما يجعل أى عبارة أشبه بقنبلة منزوعة الفتيل قابلة للانفجار فى أى ناد أو اتحاد وأى شارع أو مكتب.. وبالطبع لا أحد يتذكر ذلك قبل نقل أى عبارة أو اختلاق أى كذبة.