يُخطئ الذين يعارضونَ الأستاذ.. فيسيئون القول: إنها أعراضُ تقدُّمٍ فى العمر، وخَلْطٍ فى الأشخاصِ والأحداث.. وأن قدرات الكاتب الكبير تُوالى الانهيار أمام سطوة الزمن.
وتقديرى.. أن ذلك يخالف حقائق المشهد، وواجبات اللياقة. وظنِّى أن مُعضِلة الأستاذ تكمن فى الفِكْر الذى أصابه الانكسار.. لا فى العُمر الذى يُواجه الانحسار.. إنها معضلة «الأيديولوجيا» وليست معضلة «البيولوجيا».. هى مأساة الجمود.. لا محنة الغروب.
( 1 ) لم يتغيّر «مشروع الكراهية» لدى الأستاذ بتغيُّر الزمن.. هو رجل إيران الذى راح يطعن فى الشاه والسادات لحساب الخمينى.. وهو «رجل 1967» الذى بَنَى نصفَ أمجاده تحت أضواء النكسة.. فأراد إطفاء عام 1973.. ليغرق العقل العربى فى بحر الظلمات. وهنا جاءت حرب «الأستاذ» على المشير.
( 2 ) بدأ المشير أبو غزالة حياته العسكرية ضابطًا لامعًا، وعضوًا فى تنظيم الضباط الأحرار.. ثم توالى الصعود إلى أن أصبح من أبرز أبطال حرب أكتوبر، وأحد أفضل قادة المدفعية فى العالم.
فى عام 1981.. أَحْسَنَ «السادات» باختيار «أبو غزالة» وزيرًا للدفاع، وفى عام 1982 أَحْسَنَ «مبارك» بترقية «أبو غزالة» إلى رتبة «المشير».. ليصبح «الماريشال المصرى» أحد أشهر القادة العسكريين فى العصر الحديث.
لم يكن أبو غزالة إذن من نجوم 5 يونيو الذين يعرفهم «هيكل» جيدًا.. بل كان من نجوم 6 أكتوبر الذين لا يعرفهم «الأستاذ».. ثم إنه قد حاز شهرةً ومكانة.. وحظَى باهتمامٍ عالمى دون أن يحاوره الأستاذ، أو يكتب عنه فى مقالٍ أو كتاب.
كان الأستاذ يعتقد دومًا أنه- وهو وحده- الشخصية العالمية، وأنه- وهو وحده- الطريق إلى العالمية.
ولقد أصيب الأستاذ بالكساد النفسى.. حين رأى «نجيب محفوظ» وقد صَارَ عالميًّا.. فلم يذهب إليه، ولم ينهض لتهنئته بالجائزة.. وبقى معه فى خصامٍ طويل.. ثم رأى «أحمد زويل» قد صار عالميًّا.. وكان «الأستاذ» قد قال لـ«لطفى الخولى»: إن زويل ليس عالميًّا، ونحن نبالغ فى تقديره.. وكل ما يُقال عن حصوله على جائزة نوبل فى المستقبل هو نوعٌ من الخيال.
إن المشير أبو غزالة هو «اسم عالمى» من دون هيكل.. ومن الضرورى معرفة المشير من أجل معرفة مساحات واسعة من أسرار الحرب الباردة، والحرب العراقية- الإيرانية.. وتاريخ الإسلام السياسى فى آسيا والشرق الأوسط.
( 3 ) تكره الولايات المتحدة «المشير أبو غزالة» ويكرهه «الأستاذ» أيضًا.. لكن واشنطن تكره المشير لأنه قامَ بخِداعِها.. وتجاوزها إلى بناء مشروع صاروخى وطنى طموح.. ويكرهُه «هيكل».. للجفاءِ الذى كان بينهما. لم يكن المشير مؤمنًا بالفكر السياسى عند الأستاذ.. وكان يراه «محدودًا».. لا يعرف حقائق الصراع الجيوسياسى فى العالم بالقدر الكافى، وأنه يُغطى بالبلاغة عجزَ المعرفة.
ويكرهُه.. لأن المشير لم يكن حاضرًا فى مجالس هيكل.. فيروى عنهُ وينقل منه.. ويجعلُه- كعادته- مجرّد مصدر صحفى.. يساهمُ فى بناءِ مجدِ الأستاذ.
( 4 ) بذلتْ السينما الأمريكية جهودًا واضحةً فى الإساءة للمشير.. هناك أربعة أفلام من إنتاج هوليوود يظهر فيها المشير بشكل سلبى.. حيث يبدو وكأنه جنرال مهووس بالنساء.. يكفى أن ينظر إلى راقصة ليُغيّر سياساته!
وقد جسّدت الممثلة «تراسى فيليبس» شخصية «شانون» فى الفيلم الشهير «حرب شارلى ويلسون».. و«شانون» هى الراقصة التى يرى الفيلم أنها أغوت المشير.. من أجل دعم المجاهدين الأفغان فى مواجهة السوفييت!
( 5 ) قريبًا من «هلاوس» فيلم «حرب شارلى ويلسون» ذهب «الأستاذ» مؤخرًا إلى اتهام المشير بامتلاكه (100) مليون دولار فى بنوك الولايات المتحدة.. وأن هناك صراعًا قضائيًا بين أبناء المشير على توزيع الثروة.. التى جاءت من تجارة السلاح!
ثمّة قصة ينبغى أن تروى.. فى عهد الرئيس السادات تقررت المعونة الأمريكية لمصر، وكانت المعونة العسكرية تأتى إلى مصر عبر وسائل نقل أمريكية. وجد مسؤولون مصريون أنه من الأفضل نقل الأسلحة الأمريكية عبْر شركات نقل أخرى أقل سعرًا.. وتوفر لمصر ملايين الدولارات. فعل المسؤولون ذلك، وأسسوا الشركة.. وتم توفير الملايين.
اكتشفت السلطات الأمريكية ذلك.. فأقامت دعوى قضائية ضد المسؤولين المصريين وشركتهم لأنهم خالفوا شروط المعونة التى كانت تنص بشكل محدد على آلية الشحن والنقل.
الورقة التى لوّح بها «الأستاذ» أمام الكاميرا.. هى من هذه القضية.. وهى تُشرِّف أبطالها وأصحابها ولا تسىء إليهم.
وفى الدعوى القضائية التى رفعتها أسرة المشير ضد الأستاذ.. أعلنت الأسرة أنها لم تمتلك دولارًا واحدًا فى البنوك الأمريكية، لا الآن ولا فى الماضى.. وأنها مستعدة للتبرع بها حال وجودها.
( 6 ) ثمّة قضية أخرى تخص المشير فى أمريكا.. هى قضية قيام المشير بتهريب مواد وتكنولوجيا تخص صناعة الصواريخ.. من الولايات المتحدة إلى مصر.. وقد جاء اسم المشير فى القضية التى نظرتها محكمة سكرمانتو فى ولاية كاليفورنيا، وهى القضية التى أدين فيها عالم الصواريخ المصرى- الأمريكى عبدالقادر حلمى.
قال لى الدكتور عبدالقادر حلمى حين التقيته قبل سنوات: سيذكر التاريخ بكل الإجلال والفخار ذلك البطل الوطنى الطموح المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة.
( 7 ) كان المشير أبو غزالة داعمًا كبيرًا للعراق فى الحرب مع إيران.. وقال لصحف العالم وقتها فى حسم: إن مصر لن تسمح بهزيمة العراق، وستدعمها حتى النصر. كان المشير ضد إيران، وكان يرى أن نجاح نظرية «ولاية الفقيه» يمثل خطرًا فكريًا وجيوسياسيًا على الأمة العربية.. ومن منظور العروبة.. وقف المشير مع بغداد ضد طهران، أما «الأستاذ» فقد وقف مع طهران ضد بغداد.
حاول هيكل إخلاء الساحة.. من أجل نجم واحدٍ.. هو آية الله الخمينى.. وهذه وقفةٌ سادسة.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر