من المفارقات الغريبة أن تكون علاقاتنا مع جميع دول الجوار دون المستوى، باستثناء إسرائيل، العدو التاريخى، فقد أصبحت قضية حلايب وشلاتين حجر عثرة أمام علاقات متميزة مع السودان، ناهيك عن المواقف المتباينة لكلا البلدين حول قضية سد النهضة الإثيوبى، كما أن الأوضاع المهترئة فى ليبيا قد حالت دون علاقات طبيعية أيضاً، حيث تعدد الفصائل والقوى التى جعلت من الجغرافيا هناك جزراً متناثرة، إضافة إلى أن تنامى التجمعات المسلحة بالقرب من الحدود المشتركة، أصبح ينذر بما هو أسوأ فى المستقبل، أما عن العلاقات مع قطاع غزة، فحدث ولا حرج، على اعتبار أن حركة حماس، هى الحاكم الفعلى للقطاع.
بالتالى لم يتبق سوى إسرائيل التى يجمعنا بها على الأقل تنسيق أمنى واسع، إضافة إلى أنها حصلت على دعم مصرى تاريخى، فى إحدى فعاليات منظمة الأمم المتحدة مؤخراً، وقابلت ذلك بالحصول على حكم قضائى يمنحها تعويضاً من هيئة البترول المصرية، والشركة القابضة للغازات الطبيعية، بقيمة ١.٧ مليار دولار.
المفارقة الغريبة أيضاً هى أن هناك تبايناً كبيراً فى المواقف مع الدولة الأكثر تأثيراً فى العالم العربى، بحكم إمكانياتها المادية، وهى المملكة العربية السعودية، ومن هذه المواقف ما هو خارجى، يتعلق بالأزمات فى اليمن، وسوريا، والعراق، والعلاقات مع قطر وتركيا، ومنها ما هو داخلى، يتعلق بالشأن المصرى فى مجمله، منذ الإطاحة بجماعة الإخوان، والمحاكمات، والسجون، والمعتقلات، والشطط الإعلامى على الجانبين، مع عدم وجود بوادر تشير إلى إمكانية سد هذه الفجوات الآخذة فى الاتساع، نظراً لاختلاف الرؤى بشكل كبير، ربما نحو كل القضايا.
قضية سد النهضة، والعلاقات مع إثيوبيا، وارتباطها الوثيق بالعلاقات مع معظم بلدان القارة الأفريقية، لن تقل خطورة بأى حال عن النماذج السابق ذكرها، وذلك لأن قضية السد، رغم ما تمثله من خطورة على واقع ومستقبل مصر وشعبها، فإن العلاقات مع معظم بلدان القارة، خاصة دول حوض النيل، سوف تتأثر سلباً فى حال تأزمت العلاقات مع أديس أبابا، وذلك نتيجة الزعامة الإثيوبية للقارة حالياً، فى الوقت الذى لم نستطع فيه تحديد موقعنا حتى الآن، أفريقياً وعربياً، وربما على المستوى الدولى بشكل عام.
العلاقات مع تركيا، فى أسوأ حالاتها، ومع إيران علاقات توجس، ومع العراق تشوبها المحاذير، ومع قطر سلامات وترحيبات، ومع الجزائر وتونس ليست علاقات الستينيات من القرن الماضى، ومع اليمن أشبه بها مع ليبيا، ومع سلطنة عمان والكويت ليست كما كانت فى عهد الرئيس مبارك، أما مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبى بشكل عام، فأمامها الكثير من العقبات، حتى تعود إلى سابق عهدها، وحتى مع روسيا، فقد تم خصم السياحة منها، والتى كانت تمثل الجانب الأكبر من علاقات البلدين.
كان الله فى عون الدبلوماسية المصرية، ليس ذلك فقط، بل فى عون الاقتصاد المصرى، والعمالة المصرية بالخارج، والشأن المصرى بصفة عامة، فقد ألقت الأزمة فى العلاقات هنا وهناك، على كل ذلك سلباً، وأصبحنا كمن يسبح فى بحر متلاطم الأمواج، وسط تعقيدات الموقف الإقليمى ككل، دون وجود الدولة القائد، أو الزعيم القائد، أو حتى وضوح الرؤية لمنطقة يتم رسم خرائطها الجديدة خارج حدودها، وهو الأمر الذى يؤكد استمرار وقوعها تحت الوصاية، ربما لسنوات، أو عقود طويلة.
إلا أن ما هو مؤكد أن الدبلوماسية الشعبية كان يمكن أن تؤدى دوراً مهماً فى هذا الإطار، إن هى أُحسن استغلالها أو استثمارها على الوجه الأمثل، لكن هناك من العقبات ما حال ويحول دون ذلك، بل أصبح دورها مناوئاً فى معظم الأحيان، فى ظل الأوضاع الداخلية المهترئة أيضاً، وهو الأمر الذى يتحتم معه إعادة النظر فى هذه الأوضاع، لما فيه الصالح العام لوطن هو فى أمس الحاجة إلى جهد كل أبنائه.
نستكمل الحديث غدا، بإذن الله.