أثار أحد الأصدقاء انتباهى لتعبير (ميدان الرماية)، في إشارة إلى المنطقة العربية بوضعها الراهن، قوات روسية، وأخرى أمريكية، وثالثة فرنسية، ورابعة بريطانية، وقبل كل ذلك إيرانية، وتركية، وإسرائيلية، وإذا أضفنا الدواعش ومَن على شاكلتهم، من النصرة والجيش الحر وحزب الله، وآخرين، بتمثيل أكثر من أربعين دولة، نحن إذن أمام ملتقى الرمايات العالمى، هو إذن ميدان رماية غير مسبوق، حرب عالمية من نوع آخر، وعلى نطاق واسع، حرب اللا غالب واللامغلوب، نفس السيناريو العراقى، تقسيم الأرض، وصفقات سلاح، وقتلى على مدار الساعة، و(الله أكبر) شعار الجميع مع القتل، والقصف، والحرق، والنهب، والسلب، وكل ما هو محرمات.
الاعتقاد بأنها حرب نهاية العالم، لا يختلف كثيراً، بين فئات من المسلمين، عن غيرها من البروتستانت المسيحيين، وأخرى من اليهود، هؤلاء يستندون إلى كتاب جفر الإمام على بن أبى طالب، والروايات المتعلقة بأصحاب الرايات السوداء، وأولئك يستندون إلى سفر الرؤيا، وبعض أسفار العهد القديم، والآخرون يأخذون من سفر حزقيال. السلاح الغربى المسيحى يصُب في المنطقة لنفس الهدف، والمتطوعون المسلمون من دول آسيا الوسطى لنفس العقيدة، وإسرائيل تقوم بعلاج وتمريض هؤلاء، وتمد أولئك بالمعلومات، هؤلاء يتعجلون المهدى المنتظر، وأولئك يتعجلون عودة المسيح، والآخرون يتعجلون دمار العالم، عندها تكمن المصلحة، وتكون السيادة.
هل هو التدين والتشبع بعقيدة الجهاد في أبهى صورها، أم أنه الغباء وقصور العقل البشرى، هل هي محاولات للتقرب إلى الله، أم أنه ضجر وملل من الحياة الدنيا بوضعها الحالى، هل هي حرب نهاية الكون فعلاً، أم أنها أضغاث أحلام، الرئيس الأمريكى بوش الابن كان يخوضها في العراق انطلاقاً من هذه العقيدة المتشددة، التي ورثها عن جده الأكثر تشدداً. الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قام مؤخراً بإهداء المصحف الأقدم في روسيا إلى المرشد الإيرانى، في إشارة إلى اعتباره خليفة المسلمين الذي يستحق هذا التكريم. الصليب الأحمر الدولى كان الراعى الرسمى لتبادل الأسرى بين جمهورية لبنان، وجبهة النصرة في سوريا، في وجود علم داعش، وزوجة زعيم داعش كانت ضمن صفقة التبادل، بتمويل قطرى بلغ ٥٣ مليون دولار.
الدلالات ما أكثرها، المنظمات التي نعتبرها إرهابية، تعمل برعاية دولية، ومن خلال عواصم لا تنكر ذلك، يتنقلون بين سوريا وليبيا في عرض البحر المتوسط، في حماية دول عظمى، يستعرضون قواتهم في مناطق السيطرة، بكل من العراق وسوريا، في حماية طائرات هليكوبتر، على الرغم من أنهم لا يمتلكون مثل هذه الطائرات، أخيراً أصبحت لديهم صواريخ مضادة للطائرات لمواجهة القصف الروسى.
لنبدأ إذن مرحلة جديدة من المواجهة، قوامها التوازن، لا منتصر ولا مهزوم، كان ذلك هو الهدف الأول من دخول القوات الروسية، استمرار الحرب، ميدان الرماية لا يجب أن يهدأ، (ملعون من لا يُنفذ مشيئة الرب)، التي هي الحرب الشاملة، أو حرب هيرمجدون، كما وردت التسمية في الكتب القديمة، ونذكر هنا أن الرئيس الأمريكى رونالد ريجان عندما كان مرشحاً للرئاسة عام 1980م، كان يتحدث كثيراً عن هيرمجدون، ومن أقواله: «إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا.. إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سوف يشهد حرب هيرمجدون».
البعض يتنفس الصعداء حين يجد مصر خارج خرائط التقسيم المسربة من هنا أو هناك، البعض الآخر يلاحظ تسليحاً قوياً بالتوازى، لكل من مصر وإيران وتركيا، على الرغم من غضب دولى على هذه أو تلك، أو ربما على ثلاثتهم، يفسر البعض الثالث ذلك بنهاية دولة إسرائيل، بفعل الدول الثلاث، هكذا يعتقدون، أو هكذا على حد قولهم تتحدث النصوص المقدسة هنا أو هناك، أين الحقيقة إذن، وإلى أين نسير، الحقيقة الوحيدة المؤكدة هي أننا لا نرى من المنطقة سوى ميدان الرماية، وما بخلاف ذلك في علم الغيب، الجدال لا ولن ينتهى.
لندعهم جميعاً يعتقدون، هؤلاء وأولئك والآخرين، ليتهم فقط لا يَقتلون.