بأى وجه قابل رئيس وزراء إثيوبيا.. رئيس وزراء مصر فى قمة منتدى التعاون الصينى - الأفريقى فى جوهانسبرج، أم أن الصدفة وحدها هى التى جعلت حاكم إثيوبيا القوى يُحيِّى المهندس شريف إسماعيل، رئيس وزراء مصر، وهل هى - فقط - حكاية ترتيب الدول حسب الحروف الأبجدية، فجعلت مقعدى الوفدين يتجاوران.. فوجد رئيس وزراء إثيوبيا نفسه مضطراً «دبلوماسياً» لتحية المسؤول المصرى الكبير، نقول ذلك رغم أن رئيس وزراء إثيوبيا «عامل القاهرة معدية» يزورها.. حتى فى المناسبات الودية والرسمية.. ولكننى - هنا - أعتب على رئيس وزراء مصر أنه وضع على شفتيه شبه ابتسامة، ولو صغيرة.. وهو يُحيّى المسؤول الإثيوبى.
ولكن ما أزعجنى فعلاً هو تصريح رئيس وزراء مصر من أنه لم يبحث فى جوهانسبرج قضية سد النهضة، خلال هذه القمة.. هل هذا أمر مقبول.. ألم يكن من الأفضل طرح هذه القضية الخطيرة خصوصاً وقد حضرها رؤساء 35 دولة و5 رؤساء حكومات أفريقية. وهل فات مصر أن تطلب طرح هذه القضية.. خصوصاً أن هذه القمة معروف مسبقاً موعدها.. وكان يجب أن تفعل مصر ذلك بحكم موقعها وقيمتها.. والأهم بحكم أن القضية يمكن أن تتحول إلى صراع عسكرى يجر أفريقيا كلها إلى صراع رهيب يؤثر على حلمها بالبناء والتنمية.
أليس هذا قصوراً مصرياً واضحاً.. لا يمكن السكوت عليه.. بل لابد من محاسبة المسؤول - أو المسؤولين - عن ضياع هذه الفرصة لعرض القضية، أم أن رئيس الوزراء - هنا - تقع كل مهمته فى هذه القمة وغيرها عند مجرد «الحضور»، يعنى «علشان الغياب» رغم أنه كلف الميزانية المصرية أعباء سفره - هو وكل الوفد المرافق لمعاليه - إلى أبعد نقطة فى أفريقيا فى جوهانسبرج.. ونحن سافرنا إليها.. بينما نحن فى أول نقطة فى أقصى شمال شرق القارة.
نقول ذلك لعدة أسباب، أولها سبب مباشر هو استمرار عمليات تأجيل أى لقاءات مع إثيوبيا، وآخرها طلبها تأجيل الاجتماع السداسى الخاص بالسد.. ومنها مشاكل المكاتب الاستشارية وإصرار إثيوبيا على أن يكون القرار فى يد شركة تنفذ لها عدة مشروعات، أى مصلحتها أن تقف مع إثيوبيا.. وهل نسأل: كم عدد مرات تأجيل اجتماعات السد.. ولماذا - وهذا هو السؤال الأهم - لماذا لم نطلب ونُصرّ على أن تُوقِف إثيوبيا استمرار أعمالها فى بناء السد حتى اقترب بناء نصف السد تقريباً.
وهل نجد تسويفاً، بل تسويفات أكثر من ذلك، ولماذا لم نطلب تأجيلاً بالتأجيل، أى ربط موافقتنا على تأجيل الاجتماعات بتأجيل أو إيقاف أعمال بناء السد.
ألم يجد رئيس وزراء مصر - وهو يصافح رئيس وزراء إثيوبيا - فرصة لكى يقول له: أوقفوا العمل لنوقف الاجتماعات.. أم أن القضية كلها لا تهم رئيس وزراء مصر.. وكل ما يهمه أن يسكت على هذه الجريمة، التى بدأت قبله، وسوف تستمر بعده مادمنا كلنا ومع توالى كل هذه الحكومات.. وتغير كل وزراء الرى عندنا، ندفن رؤوسنا فى الرمال؟!
هل ترى إثيوبيا فى الصبر المصرى ضعفاً.. أم هم - فى أديس أبابا - يستغلون الأسلوب الدبلوماسى الذى تنتهجه القاهرة، والذى يعتمد على الصبر، فاستفادت منه إثيوبيا، بينما يكاد هذا الصبر يقتلنا عطشاً.. نعم لاستنفاد كل السبل الدبلوماسية.. ولكن ليس إلى درجة الضعف، والتغاضى عن المخاطر التى تهدد مصر لمئات السنين.
ولقد ثبت لنا أن إثيوبيا تستغل ظروفنا الداخلية من يناير 2011 إلى الآن، وتمضى قدماً فى تنفيذ ما خططت له سواء من أجل مصالحها.. أو من أجل مخطط نعرفه جيداً، وهو قتل مصر بمنع ماء الحياة عنها، وهذا مخطط أجنبى أمريكى - إسرائيلى - منذ عام 1959 للسيطرة على مياه النيل.. وخنق مصر مائياً من الجنوب، وهذا حلقة من حلقات محاصرة مصر: شرقاً من إيران الطامعة.. وغرباً من ليبيا التى تريد تشتيت القوى المصرية، وجنوباً من السودان الذى يريد حاكمه أن.. وأن.. وأن.. كل ذلك ونحن غافلون.. أو نكتفى بالدبلوماسية.
■ لقد أضعنا فرصة جوهانسبرج لعرض القضية.. كما أضعنا فرصاً عديدة، حتى أصبحنا فعلاً: ملوك الفرص الضائعة.. كما يقول الدكتور مصطفى الفقى!!