يوسف زيدان كاتب له رصيد. صاحب موقف. يتحرى الدقة فيما يقول. قبل أن ينطق به. يعمل على كتاباته ويعطيها الكثير من وقته. يمنحها جهد الباحث ولمسات الكاتب الموهوب. ما قاله زيدان فى برنامج خيرى رمضان. تعامل معه الكثير من الناس بشكل عاطفى. وبطريقة غير عقلانية. وهو ما أراه المأزق الحقيقى للثقافة العربية وللإسلام والمسلمين. نحن وببساطة شديدة وفى لحظة واحدة استدعينا أساليب الجماعات والفصائل المتطرفة. التى قمنا بثورة ضدهم فى 30 يونيو. استدعينا أساليب التكفير. الطعن فى العقيدة. التفتيش فى الضمائر. وهذا هو الصادم فى رد الفعل على ما قال به يوسف زيدان. الذى هو من أفضل المتخصصين فى التراث العربى وعلومه. له العديد من الدراسات فى الفكر الإسلامى. وترجم إلى كثير من اللغات.
يمكنك أن تختلف معه وهذا من حقك. يمكننى أن أتفق معه وهذا حقى. يمكنك أن تأتى بجديد وأنا أعارضك. هذا هو الطبيعى. هذا هو المنطقى لأى مجتمع يريد حياة سليمة وصحية. يريد أن يستمر فى التفكير والاجتهاد. لأن توقف العقل مرض. وغلق أبواب الاجتهاد والتفكير بالضبة والمفتاح مصيبة. ألمت بالأمة الإسلامية طوال عقود مضت. بقرار من الخليفة العباسى المستعصم بالله. ومازال الأمر سارياً حتى الآن. زيدان قاوم ذلك. سبقه ابن رشد. الإمام محمد عبده. جمال البنا. نصر حامد أبوزيد. فرج فودة. وغيرهم من المجتهدين المجددين. فمن يستحق العقاب هم أم من يكفرونهم ويكفروننا جميعا؟ أو الخليفة المعتصم؟
لا أريد التعليق على ما قاله دكتور زيدان. سواء ما يتعلق بموقع المسجد الأقصى. ولا ما يتعلق برحلة الإسراء والمعراج. كلها اجتهادات بحثية مهمة تستحق الإصغاء جيدا. قبل الرد عليها. لكن كل هذه الاجتهادات لا تصرفك عن الله. إيماننا بالله وبالرسل ثابت ولا يتزعزع. ودعوتى فى الأساس تتعلق بحرية الاجتهاد. تتعلق بحرية البحث والتفكير. تتعلق بحرية التأمل ومراجعة الأفكار. بعدم إضفاء قدسية على كل شىء سابق. لأن الله هو منحنا العقل. وهو من ميز الإنسان بالعقل. من أجل استخدامه. أفضل استغلال. لأنه أفضل وأعظم هدية منحها الله للإنسان وإلا أصبحنا حيوانات. ننساق كما قطعان الماشية. ثم ينطبق علينا النص القرآنى «إن هم إلا كالأنعام. بل هم أضل سبيلًا».
هو بحث واجتهد وقال:
إن المسجد الأقصى الحقيقى الذى ذكر فى القرآن يوجد على طريق الطائف. لكن المسجد المتواجد فى فلسطين لم يكن موجودا من الأساس فى عهد الرسول، وإن من بناه هو الملك بن مروان فى العصر الأموى. هذا ما جاء به زيدان. كنتيجة لبحث علمى عكف عليه. وهذه النتيجة لم تغير من عقيدة أى مؤمن. وبذلك من الظلم الهجوم والتهجم عليه على هذا النحو. تكفيره هو الجريمة عينها.