أخرج عن النص لأجيب، والنص المقصود هو كتاب الجنرال الإسرائيلى موردخاى بار- أون «بحثاً عن السلام»، أما الجواب فهو عن سؤال هذا المقال فى مدى مشروعية وصف قيادات منظمة التحرير الفلسطينية بأنها علمانية. إلا أن هذا الجواب لن يكون بالمطلق، إنما يكون بالنسبى. والنسبى هو زمان هذا السؤال، وهو محدود بعام 1975، أو بالأدق بيوم 30 نوفمبر 1974.
والسؤال إذن:
ماذا حدث بعد ذلك حتى يُقال عنه إنه زمن الجواب؟
ألقى الرئيس عرفات خطاباً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 13 نوفمبر 1974، وجاء فيه قوله إنه يعرض رغبة الفلسطينيين فى التعايش مع اليهود فى الدولة الفلسطينية الديمقراطية، أى الدولة التى لا تقوم على أساس دينى، أى دولة علمانية، واللافت للانتباه هنا أن هذه الرغبة مماثلة لرغبة الإمام موسى الصدر، رئيس «هيئة نصرة جنوب لبنان»، التى كان هو مؤسسها ورئيسها.
وفى اليوم التالى من إلقاء خطابه، كنت على موعد للالتقاء بذلك الإمام، لإجراء حوار حول مستقبل لبنان، بما فيه مستقبل هيئة النصرة. وكنت أعول فى هذا الحوار على معرفة مدى تقبله للعلمانية، فكان رأيه أن الربط بين الدين والدولة كان فى خدمة الطغاة الظالمين، والفصل بينهما كان له الفضل فى إبعاد الظالمين الذين يحكمون باسم الله، ثم استطرد قائلا: «إنه من أجل تحقيق هذا الفصل يلزم تغيير البنية الذهنية اللبنانية، وذلك بنقد الفكر الدينى التقليدى، الذى يؤمن بضرورة وجود ممثل لله على الأرض يكون هو مصدر الحقوق والواجبات، وبإحلال فكر دينى صحيح يؤمن بأن الإنسان مخلوق أرضى له بُعد سماوى. وهو من هذه الزاوية يلتقى مع الفكر العلمانى الذى يبدأ بالإنسان الأرضى ويتحرك فى اتجاه رأس الهرم».
وتأسيساً على ذلك، يمكن القول إن ثمة علاقة عضوية بين الرئيس عرفات والإمام موسى الصدر فى شأن إشاعة الفكر العلمانى فى لبنان بوجه عام، وفى جنوب لبنان بوجه خاص، ولكن بشرط أن يلتقى مع فكر علمانى فى إسرائيل من أجل تأسيس دولة فلسطينية علمانية وبلا تقسيم.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا حدث لهذه العلمانية المرتقبة؟
فى عام 1977 أسقطت «حركة فتح» مصطلح «علمانية» بعد أن كان متداولاً. وفى عام 1978 بدأت الثورة الشيعية الأصولية فى إيران بزعامة آية الله خومينى، وفى نفس ذلك العام اختفى الإمام موسى الصدر، وكان فى حينها رئيس المجلس الإسلامى الشيعى الأعلى.
والسؤال إذن:
كيف اختفى؟ ومَن الذى أخفاه؟
غادر الإمام لبنان فى 25 أغسطس 1978 إلى ليبيا ضيفاً عليها بدعوة من القذافى. وفى 6 سبتمبر طالب المجلس الأعلى الشيعى القائم بالأعمال الليبى فى لبنان بالاستفسار عن تأخر عودة الإمام، فأجاب بأنه غادر ليبيا فى 31 أغسطس إلى روما على متن طائرة تابعة لشركة إيطالية، إلا أن الشركة نفت وجود الإمام على متنها، ومعنى ذلك أن الإمام اغتيل فى ليبيا، وما كان يمكن أن يتم اغتياله بدون موافقة القذافى.
إذن اختفى الإمام موسى الصدر وبقى الرئيس عرفات على قيد الحياة. ويبدو أنه حاول مرة أخرى إحياء الدعوة إلى العلمانية فأصدر جريدة «اليوم السابع»، ودعانى لطفى الخولى، باعتباره المستشار السياسى للرئيس، لكتابة مقال أسبوعى، وقد كان، إذ حررت مقالاً عنوانه «العلمانية والعقل العربى: علاقة اضطهاد» فى 21/5/1984. وبعد ذلك أخبرنى لطفى الخولى بالتوقف عن مواصلة الكتابة.
والسؤال بعد ذلك:
كيف واجه عرفات أزمة العلمانية؟