من إفرازات الانتفاضة انشقاق فى حركة السلام الآن، إذ انشق عنها أحد مؤسسيها ويُدعى ديدى زوكر فى مارس 1989 وأسس مع عدد من المحامين والأكاديميين والصحفيين المرموقين منظمة جديدة لمراقبة خرق حقوق الإنسان أثناء قمع الانتفاضة. وكان اسم المنظمة «على صورتنا». وهو اسم منقول من آية فى الإصحاح الأول من سفر التكوين: «وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا».
وقد قيل عن هذه المنظمة إنها أقوى حركة سلام إسرائيلية، إذ انصبّ عليها هجوم شرس من اليمين ومن حزب العمل اليسارى، ومع ذلك فإن تقاريرها عن سوء مسلك المسؤولين عن الأمن الإسرائيلى نُشرت بالعبرية والإنجليزية، وأحدثت هزة لدى الإسرائيليين وبالأخص عندما انضم إليها بسام عيد، وهو أحد أبناء لاجئ فلسطينى. تربى فى أحد معسكرات اللاجئين بالقرب من القدس ثم أصبح صحفياً فاستثمر علاقاته المتعددة بالفلسطينيين وأنشأ شبكة من المراسلين فى الأراضى المحتلة لكتابة تقارير عن خرق حقوق الإنسان، بالإضافة إلى عقد مؤتمرات صحفية تموج بالإسرائيليين ووكالات الأنباء الدولية، وكانت تقاريرها موضع ثقة من هذه الوكالات، بل أحدثت تأثيراً فعالاً فى المؤسسة الأمنية بإسرائيل.
واللافت للانتباه هاهنا أن حركة «على صورتنا» أعلنت أنها ليست حركة سياسية كما أنها ليست حركة نضالية، بدعوى أن الاحتلال الإسرائيلى نفسه هو خرق لحقوق الإنسان لأنه يسلب الفلسطينى من حقه فى تقرير مصيره بنفسه. ومع ذلك فقد كان الرأى الشائع أن حركة «على صورتنا» هى حركة سياسية معارضة للاحتلال. وفى هذا الرأى كان النقد الموجه إليها من قِبل اليسار الراديكالى أنها تبرر الاحتلال لأنها تتعامل مع أعراضه وليس مع أسبابه. إلا أن المنظمات الفلسطينية لم تساير ذلك الرأى، إذ كانت تنشر تقاريرها فى وسائل إعلامها.
إلا أن المفاجأة الكبرى جاءت من الملك حسين فى 31 يوليو 1988 عندما أعلن فى حديث تليفزيونى إلى الشعب الأردنى أن الأردن قد انفصل عن الضفة الغربية التى أصبحت بالتالى فلسطينية، وبذلك أسقط الخيار الأردنى. وقد جاء هذا الإعلان أثناء الحملات الانتخابية الخاصة بالترشيح لعضوية الكنيست (البرلمان الإسرائيلى). وفى الحال ألقى كل من بيريز ورابين بياناً فى التليفزيون ينص على أن مساراً جديداً لعملية السلام يجب أن يقوم على أساس أن حل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لن يكون حلاً عسكرياً بل سياسياً، وأن مبادرة الملك حسين تعنى أنه لم يعد الشريك الأساسى فى التعامل مع المسألة الفلسطينية. ومع إسقاط الخيار الأردنى يلزم أن تسمح إسرائيل للفلسطينيين فى الأراضى المحتلة بانتخاب ممثليهم بموافقة إسرائيل. ومع ذلك فقد أعلن كل من بيريز ورابين أن وجود الأردن فى عملية السلام هو وجود جوهرى، لأن رسم الحدود الشرقية لإسرائيل لن يكون ممكناً من غير انخراط الأردن. ومن هذه الزاوية يمكن القول بأن بيان بيريز- رابين يعفى حزب العمل من الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالى يعفيه من التفاوض معها. ومع ذلك فإن الانتفاضة ذاتها قد أحدثت تغييراً ملحوظاً فى المنظمة، وذلك بسبب صعود الحركة الأصولية الإسلامية فى قطاع غزة والتى بدأت تهدد القيادة العلمانية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومن هنا حدث انشقاق فى المنظمة. فقد دعت الفصائل الراديكالية إلى تصعيد الانتفاضة حتى لو اضطرت إلى الاستعانة بالأسلحة الفتاكة. أما فتح والفصائل المعتدلة فقد قررت تحويل إنجازات الانتفاضة إلى مطالب سياسية مع إصدار بيان بإنهاء الكفاح المسلح.
والسؤال بعد ذلك:
هل كانت قيادات المنظمة علمانية؟
أخرج عن النص لأجيب.