x

عباس الطرابيلي الصحافة والسلطة وأزمة ثقة عباس الطرابيلي السبت 28-11-2015 21:04


مقولة «ليست هناك صداقة دائمة أو عداء دائم» تنطبق أيضا على العلاقة بين السلطان والصحافة!!

إذ ليست هناك صداقة دائمة بين الحاكم والصحفيين، مهما ارتفع أو هبط مستوى هذه العلاقة.. اللهم إلا فى استثناء واحد هو العلاقة بين جمال عبدالناصر ومحمد حسنين هيكل.

فقد عرف عبدالناصر وكان صديقاً لكثير من الصحفيين، سواء منهم من عرفه قبل ثورته.. أو عرفه فى بدايات عصره.. ومن هؤلاء إحسان عبدالقدوس وأحمد أبوالفتح وجلال الدين الحمامصى وحلمى سلام، ولكن عبدالناصر عرف كلا منهم- واستغله- ولو لفترة ثم نحاهم وأبعدهم جانبا.. بل وسجنهم بعد أن انتفع بخبرتهم ونجوميتهم، ومنهم من ساهم فى صنع نجومية عبدالناصر نفسه.

فقد كان الحمامصى قريبا ومقربا من عبدالناصر، فاستعان به لدعم علاقته بأمريكا، فعينه مستشاراً صحفياً لمصر فى السفارة المصرية فى واشنطن فى أوائل عام 1953 وبالبذات فى معركة الجلاء الإنجليزى عن مصر، وضحى الحمامصى بعمله الصحفى رئيساً لتحرير جريدة الأخبار ليقوم بهذه المهمة القومية.. ثم عينه عبدالناصر بعدها رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية، بينما كان أنور السادات مديراً عاماً لدار التحرير التى تصدر الجمهورية.. ثم استمر ناصر فى الاستعانة به، إذ عينه مسؤولا عن إنشاء أول وكالة أنباء عربية هى وكالة أنباء الشرق الأوسط. ولكن كل ذلك لم يشفع له وابتعد عنه.. واضطر الحمامصى إلى ترك الصحافة كلها وانتقل إلى الجامعة الأمريكية لينشئ أول قسم للصحافة بها ويعمل مشرفا عليه.

وهذا هو إحسان عبدالقدوس الذى كان أول من استجاب للضباط الأحرار، وتبنى «مقولتهم» عن حكايات الأسلحة الفاسدة.. وكان من أقرب الصحفيين إلى عبدالناصر.. ولكن عند أول خلاف أمر عبدالناصر باعتقال إحسان لحوالى 100 يوم، والمضحك أن جمال اتصل به بمجرد الإفراج عنه وقال له بالحرف الواحد: يا ترى يا إحسان اتربيت؟.. ثم دعاه لتناول الإفطار معه!! فهل هذا هو جزاء سنمار، ثم أمم ناصر روزاليوسف.

تماما كما فعل عبدالناصر مع «صديقه القديم» أحمد أبوالفتح الذى كان الصحفى الوحيد الذى عرف موعد قيام الثورة.. ووقف معه ولكن بسبب تمسك أبوالفتح بالديمقراطية اختلف الصديقان وأغلق عبدالناصر جريدته «المصرى» واستولى على كل ممتلكات الأسرة.. وبالمناسبة زيادة فى التنكيل بآل أبوالفتح سلم مقر «المصرى» إلى صديقه صلاح سالم ليصبح مقرا لجريدة «الشعب» التى صدرت عام 1956! وفيها قابلت رئيس تحريرها حسين فهمى عام 1957 بحثا عن عمل صحفى وأنا أدرس بقسم الصحافة.

وإذا كان الأول، «إحسان»، دخل السجن بسبب مقاله عن العصابة التى تحكم مصر، فإن الثانى، «أبوالفتح»، عاش فى المنفى هو وكل أسرته ما بين سويسرا وتونس وفرنسا.. وكان ثمنا باهظا.

وكان السادات صديقاً وقريباً من عدد من الصحفيين.. وكان زميلا فى معتقل الزيتون للأستاذ جلال الحمامصى. بل إن الحمامصى وضع خطة لتهريب السادات من هذا السجن!! ورغم ذلك منع السادات نشر مقالات الحمامصى «دخان فى الهواء» بسبب مقالاته عن الذمة المالية للرئيس عبدالناصر!! ونفذ موسى صبرى هذه الأوامر مرغما ضد أستاذه السابق.

وعبدالرحمن الشرقاوى كان أيضا من أصدقاء السادات.. وعينه رئيساً لروزاليوسف.. ولكنه سرعان ما عزله بعد أن عجز عن كبح جماح الصحفيين اليساريين وعين بدلا منه مرسى الشافعى، وكان قد عرفه عندما كان الشافعى مديرا لتحرير «المصرى».. ثم «دار الهلال».. وهناك حوار بين السادات والشافعى عن لماذا اختاره لرئاسة روزاليوسف، وهو حوار يعف لسانى عن كشفه!!

بل إن أحمد بهاء الدين نفسه عانى من السادات بسبب دفاعه عن ثورة الخبز الشهيرة فى يناير، واضطر بهاء إلى «الهروب» للكويت ليتولى رئاسة تحرير مجلة «العربى» الشهيرة خلفا للدكتور أحمد زكى.

تلك بعض نماذج تؤكد فقدان الثقة بين الحكام والصحفيين.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية