قضت المحكمة الدستورية العليا، في جلستها المنعقدة برئاسة المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة، برفض الدعوى المطالبة بعدم دستورية نص المادة (152) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، فيما تضمنته من أنه «لا يقبل طلب الرد بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى، ولا يترتب عليه في هذه الحالة وقفها».
واستندت المحكمة في حكمها إلى أن قانون المرافعات المدنية والتجارية حرص على تنظيم الحق في رد القضاة من زوايا متعددة، غايتها ألا يكون اللجوء إليه إسرافا أو نزقا، بل اعتدالا وتبصرًا، ومن ذلك أن يقدم طلب الرد قبل تقديم أي دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه، فإذا أقفل باب المرافعة في الدعوى غدا طلب الرد ممتنعا، ولا يجوز كذلك أن يقدم هذا الطلب ممن سبق له طلب رد نفس القاضي في الدعوى ذاتها، ولا أن يكون متعلقا بقضاة المحكمة أو مستشاريها جميعا أو ببعضهم، بحيث لا يبقى منهم ما يكفي للحكم في الدعوى الأصلية أو طلب الرد.
وأكدت المحكمة أن المشرع- في إطار هذا الاتجاه- لم يجز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية، مشيرة إلى أن المشرع قد توخي بذلك، توكيد قاعدة أصولية قوامها أن كل متقاضٍ يجب أن يطمئن لأن قضاء قاضيه لا يصدر إلا عن الحق وحده، دون تأثير من دخائل النفس البشرية في هواها وتحيزها.
وأوضحت المحكمة أنه وإذ كان المشرع قد تغيا من النصوص التي نظم بها رد القضاة- ومن بينها النص المطعون فيه- تحقيق التوازن بين أمرين، أولهما: ألا يفصل في الدعوى، أيا كان موضوعها، قضاة داخلتهم شبهة تقوم بها مظنة ممالأة أحد أطرافها، والتأثير تبعا لذلك في حيدتهم، فلا يكون عملهم انصرافا لتطبيق حكم القانون في شأنها، بل تحريف لمحتواه، ومن ثم أجاز المشرع ردهم وفق أسباب حددها، ليحول دونهم وموالاة نظر الدعوى التي قام سبب ردهم بمناسبتها، وثانيهما: ألا يكون رد القضاة مدخلا إلى التشهير بهم دون حق، وإيذاء مشاعرهم إعناتا، أو التهوين من قدرهم عدوانا، أو لمنعهم من نظر قضايا بذواتها توقيا للفصل فيها كيدا ولددا.
وأشارت المحكمة إلى أنه كان ضروريًا- تبعا لذلك- أن يكفل المشرع في إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين وبما يوازن بينهما تنظيما لحق الرد ألا يجاوز الحدود التي ينبغي أن يباشر في نطاقها، ولا يكون موطئا إلى تعطيل الفصل في النزاع الأصلي، وإذ عمد، بالنص المطعون فيه، إلى وضع حد يمثل نهاية لحق طالب الرد في خوض خصومة رد القضاة، بما يتيح قدرًا من الاستقرار للخصومة يمكن القاضي من مباشرة عمله، ويزود عنه مكائد المماطلين، بما يحول دون إطالة أمد التقاضي اعتسافا، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفا لأحكام الدستور.