فهم الواقع السياسي لمجتمع مثل المجتمع المصري ليس بالأمر الهين، استخدام المراجع السياسية لن يجدي بمعزل عن فهم الطبائع المتنوعة للمصريين. والطبائع المكونة لمعظم المصريين ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة والمستوي التعليمي والمالي والثقافي والبعد الديني وعلاقة معظم المصريين الوطيدة بالفنون لها تأثير كبير في نظرة الكثيرمنهم للحياة.
والعمل السياسي لا يتطلب فقط وعياً بالمجتمع بل وانغماساً في تلك الهوية معقدة التركيب، فنائب البرلمان المصري ينبغي وأن يعي توقعات المواطنين في دائرته لا أن يحددها لهم، بعض المواطنين المصريين يتعامل مع النائب على انه همزة الوصل بينه وبين الحكومه وانه السند في وقت الشدة، وبعض النواب السابقين والحاليين اكتسبوا شعبيتهم من التعامل مع المواطنين من خلال تلك المنظومة المصرية، والسياسي المحترف يعرف نسبية الموقف والزمن السياسي ويستخدم اللغة المناسبة ويتعامل بالأدوات التي تفي بالغرض حتي يحقق الغاية المنشودة. وهم على دراية ووعي بما يبقي تلك الشعبية، وبعضهم قادر على ذلك بالفعل.
الفارق بين إدراك ما يجب أن يكون وبين ما هو قائم بالفعل هو الفارق بين الهواة والمحترفين في عالم السياسة، فالهواة يحسنوا الحديث عن ما يجب أن يحدث أما محترفي السياسة والانتخابات قيعرفوا الطريق للفوز والاستمرار وهم قادرين على خلق ظروف الانتصار الفعلي في أرض الواقع وليس في الفضائيات.
يقول «هرب كوهين» كبير المفاوضين للرئيس الأمريكي لجيمي كارتر إبان فترة رئاستة 1977- 1981
«حين تتحدث للناس عن ما يهمهم فسوف يصغوا إليك باهتمام» حينها سوف يصدقوك، وحين ترتبط بهم لأنك تفهمهم جيداً سوف تحمل على الأعناق كما فعل بعض المصريين قديماً مع النحاس باشا 1879-1965 وغيره، فقط حين يشعر المواطن أنك تعرفه هو وتعمل لأجله وليس لأجل نفسك، ومشكلة العديدد من هواة السياسة، وغير المنخرطين فعلياً لفهم ذلك التنوع للشخصية المصرية أنهم يتحدثوا مع نفسهم عن نفسهم ولنفسهم وتصبح النتيجة الحتمية أن يهز لك بعض الناس رؤسوهم ثم يقوموا بانتخاب غيرك.
مع زيادة الفقر والعوز في كثير من قطاعات الشعب المصري سوف يصبح من العبث الحديث عن محاربة الرشاوي الانتخابية والمال السياسي، فهذا جزء من الواقع السياسي المصري، والحل أن نعمل على القضاء تدريجياً على الفقر وهذا ما سيفضي إلى القضاء على الفساد السياسي.
كل ما يكتب في السياسة هو نتيجة لتفاعل الناس مع الواقع، النظريات السياسية تتغير كل يوم- يغيرها المبدعون-، فقط يستطيع المبدعين أن يتعاملوا ويتفاعلوا مع الواقع ،ليس العيب في القوالب الفكرية والنظريات السياسية وإنما المأزق يكمن في بعض الساسة والمنظرين حين يقدسوا الأفكار فيطرحهم الواقع جانباً، ويستغني عنهم المواطن العادي، الذي لا يهمه سوي ما يستطيع أن يستفيد منه واقعياً.
أحد تعريفات الإبداع هو «إيجاد علاقات جديدة بين أشياء لا تبدو ظاهرياً متشابهة» وإيجاد علاقات جديدة لا يحدث إلا حين نفهم ونعي ونتعمق في الواقع الحالي ومن ثم نستطيع ربط الواقع بمعطيات جديدة فنستطيع أن نخرج عن التعريفات التقليدية للعلوم السياسية والأفكار المعلبة التي يكررها الكثير بمعزل عن ارتباطها بالواقع المعاش المحسوس، ما لم نري الواقع كما هو، لن نستطيع أن نغير فعلياً في الواقع السياسي المحبط، الكون لا يتغير حين نتكلم عنه، فقط تتغيرالأشياء حين نفهمها ونحدد موقفنا منها ومن ثم نستطيع التعامل معها.