x

أحمد المسلمانى الهندسة السياسية أحمد المسلمانى الإثنين 23-11-2015 21:38


تفضّل أستاذنا حسين عبدالرازق بنقد دعوتى لتعديل واسع فى الدستور. وكتب مقالاً نقدياً فى «المصرى اليوم» بعنوان «المسلمانى ودعوته لإسقاط الدستور».. وقد اتسّم مقال الكاتب والسياسى الكبير- كعادته- بالرقىّ والرِّفعة.

(1) لدىّ اعتقاد راسخ بأن أى بلد لا يمكنه أن ينهضَ ويمضِى دون تخطيط سياسى.. ولا يمكن لـ«السوق الحُرّة السياسية» أن ينتج مجتمعاً سياسياً قوياً أو ناجحاً.

وإذا كان من بين العلوم السياسية.. علم الاجتماع السياسى، وعلم الاقتصاد السياسى، وعلم النفس السياسى.. وهى علوم تجمع بين أكثر من علم فى علمٍ جديد.. فإننى أتصور أن هناك علماً جديداً ينبغى له أن يتأسس باسم «علم الهندسة السياسية».

إن الولايات المتحدة الأمريكية- الناطقة باسم الديمقراطية العالمية- هى إمبراطورية عظمى نِتاج هذه الهندسة السياسية وليس السوق السياسية الحُرّة.

لقد قام الآباء المؤسسون للولايات المتحدة بتخطيط كل شىء.. وواصل القادة اللاحقون عملية التخطيط دون انقطاع. وعلى ذلك لم يكن الدستور الأمريكى ولا النظام الرئاسى ولا نظام الحزبين.. نتاج الحراك السياسى التلقائى فى البلاد، وإنما نتاج تخطيط مركزى يعرف تماماً ماذا يفعل.

(2) لقد وصفتُ فى حديث إلى محطة «سكاى نيوز عربية» أجراه الأستاذ سمير عمر قبل أيام- النظام الحزبى فى الولايات المتحدة بأنه «نظام الحزب الواحد».. وهو حزب له جناحان: الجناح الجمهورى (الحزب)، والجناح الديمقراطى (الحزب)- هذا يمين وهذا يسار.. يستخدمان لغتين فى خطابٍ واحد.

كان الحزب الجمهورى وحده الحزب الحاكم فى البلاد، ثم انشق عنه الحزب الديمقراطى.. الذى هو جزء من تاريخ الحزب الجمهورى.. وكأن قادة القوة العظمى قد قرروا عدم ترك الحياة الحزبية فريسةً للحركة الطبيعية وآليات السوق السياسية.. وما تأتى به الديمقراطية.. وإنما تخطيط البلاد سياسياً بمثل تخطيطها معمارياً.

(3) أصبحت الولايات المتحدة دولة آمنة انتخابياً.. فهناك حزب واحد يحكم البلاد.. أو هما حزبان فى حزب أو اثنان فى واحد.

وحين حدثتْ محاولات كسر لهذه الهندسة السياسية.. وذلك بصعود الشيوعية.. ولمعان نجم الحزب الشيوعى الأمريكى.. جاءت «الفاشية المكارثّية» لتقضى على «البديل الشيوعى». لا ديمقراطية إذن إذا كان البديل من خارج الهندسة السياسية للبلاد.. لا صناديقَ ولا برامج ولا منظمات حقوقية.. إذا كانت «الأيديولوجيا المعادية» هى البديل.. وإذا كان الحزب المنافس من خارج الترتيبات المسبقة والدائمة للبلاد.

(4) تحتاج مصر إلى «الهندسة السياسية».. وأول معارك الهندسة السياسية فى مصر.. تعديل الدستور إلى دستور رئاسى، وثانى المعارك تأسيس حزبين مدنييْن كبيريْن.. أحدهما يمين وسط والثانى يسار وسط.. ذلك أن التحالفات الانتخابية الخارجية لا مستقبل لها.. هى تحالفات سوف تنتهى بنهاية الانتخابات، ولا وجود لها على الإطلاق فى الانتخابات القادمة.

لا مجال إذن للاستثمار السياسى فى هذه التحالفات.. الاستثمار السياسى الحقيقى فى ظل ضعف حركات الإسلام السياسى: هو ملء الساحة السياسية بحزبيْن مدنييْن عملاقيْن.. لهما إمكانيات مالية وتنظيمية وفكرية متساوية.

بهذه الهندسة الحزبية سوف يأمن المصريون على المستقبل السياسى والديمقراطى فى البلاد.. ذلك أن «البديل الأيديولوجى» وهو فى الولايات المتحدة «البديل الشيوعى» وفى مصر «الإسلام السياسى».. لن يكون وارداً فى ظل هندسة سياسية مُحكمة.

(5) فى هذا الإطار الفكرى جاءت دعوتى لتعديل الدستور بالعودة إلى الدستور الرئاسى فى 1971.. وهنا أختلف مع أستاذنا حسين عبدالرازق الذى يرى أن الشعب قد أسقط الدستور فى ثورة 25 يناير.. وأنه قد حوّل السادات ثم مبارك إلى حاكم مستبد يملك فى يده كل السلطات.. ذلك أن الشعب قد خرج لإسقاط مبارك وأسرته.. وليس لإسقاط الدستور.

كما أنه لا يمكن وصف سلطات رئيس الجمهورية فى النظام الرئاسى القوى بأنها سلطات استبدادية.. وإنما يتأتّى الاستبداد من تهافت النخبة وضعف المجتمع السياسى، كما أنه يتأتّى من ترهل المؤسسات وتدهور الثقافة والإعلام.

(6) إن العالم يتجه من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى، ومن عدم الاستقرار السياسى الذى تسببه فوضى التحالفات الانتخابية والبرلمانية، إلى قواعد الانضباط السياسى الذى يحمى السلطة التنفيذية من سطوة لوبيهات المصالح داخل البرلمان.

النظام الرئاسى ونظام الحزبين.. وإبعاد شبح الأيديولوجيا.. الطريق إلى المستقبل.

الهندسة السياسية هى الحل.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

الهندسة السياسية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية