x

غادة شريف إحنا هنقضيها وجبات؟ غادة شريف الإثنين 30-11-2015 21:06


مخطئ كل من يظن أنه باستطاعته أن يناطح الدولة!.. بعض رجال الأعمال بنفوذهم وبعض الإعلاميين بالتفاف الجمهور حولهم دائما ما يقعون فى هذا الفخ!.. يسيئون حساب موازين القوة فيتصورون أنهم ندّ للدولة فيحاولون الاستقواء عليها ولا يفيقون إلا بعد فوات الأوان.. راودنى هذا التفكير وأنا أستمع لحوار أحد تجار الخضروات مع أحد كبار تجار اللحوم تعليقا على الوجبات التى وفرتها مؤخرا وزارة التموين فى المجمعات الاستهلاكية.. لاشك أن الوجبات رخيصة الثمن عالية الجودة أثلجت صدور الكثير من محدودى الدخل، لكن العجيب أنها لم تهز شعرة لدى التجار!.

التاجران كانا واثقين من أن الحكاية «هوجة وهتعدى»، واستشهد تاجر اللحوم بالقرار الشعبى بمقاطعة اللحوم الذى نفذه المواطنون منذ أشهر قليلة لمدة شهر، وكيف أن هذا القرار لم ينفذ بشكل عمومى، كما أن الناس عادت لشراء اللحوم بعد انقضاء الشهر بإقبال أشد من ذى قبل!.. والحقيقة للأسف أن كلا التاجرين على حق، فمنطق المسكنات لا يدوم ولا يمكن أن يشكل خطرا على التجار الجشعين فيجعلهم يخفضون أسعارهم.. زمان فى مصر القديمة كانت هناك عهود سماها المؤرخون بفترات «الغلاء العظيم»، وكان الغلاء يقاس وقتها بسعر إردب القمح.

فى تلك الفترات لم يكن للوالى حل سوى أن يفتح مخازن الغلال الخاصة به ويأمر بتوزيع الغلال على المواطنين فى البيوت حتى تمر الأزمة.. كان حلا أشبه بحل الوجبات الذى يحدث حاليا.. فتح مخازن الوالى أو توفير الوجبات هما بمثابة حل مؤقت لأزمة مستفحلة.. وخلى بالك يا حمادة أن التعداد وقتها كان قليلا.. يعنى معزة قايمة ومعزة نايمة، مما يسمح بتلك الحلول الاستثنائية.. لكن رغم قلة التعداد إلا أنه كان واضحا للدولة وقتها أن حل الأزمة من جذورها لا يجدى معه توزيع الغلال من مخازن الوالى، فكان الاتجاه دائما لتنشيط الأسواق بالبضاعة المحلية بالإضافة لتنشيط الاستيراد.

الرحالة بيرو تافور ذكر فى كتابه «الرحلة» عن مصر القديمة وأيده فيه الرحالة ابن بطوطة، «أن المسافر على نهر النيل لا يحتاج إلى أن يحمل معه زادا لأنه مهما أراد النزول للشاطئ سيجد سوقا يشترى منه ما يريد.. والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مدن مصر ومن مدن مصر إلى أسوان من الصعيد..».. فى بداية عصر سلاطين المماليك كانت مصر لها أسواقها الدائمة والمزدهرة.. المؤرخ تقى الدين المقريزى ذكر أيضا فى «الخطط» أن الريف المصرى اشتهر بالأسواق الدورية حيث كل يوم فى الأسبوع كان مخصصا لمنتج ما، بالإضافة للأسواق المتخصصة التى اشتهرت بها القاهرة مثل سوق السلاح وسوق الخياميين، حيث كان يباع أقمشة الخيام وسوق الدجاجين حيث كان يباع مختلف أنواع الطيور والدواجن حتى طيور الزينة!.

طبعا إنت يا حمادة لو حكِّموك الآن على طيور زينة ستزلطها بريشها!.. أما سوق باب الفتوح فكان من أشهر الأسواق الجامعة التى يقصدها العامة لتنوع البضائع به من لحوم وخضروات، كما اشتهر أيضا سوق حارة برجوان بتوفير اللحوم عالية الجودة بأنواعها.. فى ظل وجود تلك الأسواق كانت فترات الرخاء تمتد على القطر المصرى بما يصاحبها من تنشيط للتجارة.. لذلك أتساءل، لماذا لا تبحث وزارة التموين عودة تلك الأسواق فى الريف المصرى والمناطق الشعبية؟.. لماذا لا نحول العشوائيات لمناطق منتجة بدلا من الشكوى منها أو لإزالتها؟.. الريف الفرنسى والهولندى من أشهر المزارات السياحية... لماذا لا تتعامل الحكومة مع الفلاح مباشرة؟.. لكن بدون حداقة والنبى!.. مشكلة الحكومة فى تعاملاتها المباشرة مع الفلاح أنها تتملكها روح إستيفان روستى فتحاول أن تنصب بشياكة على الفلاح الغلبان لتكسب من وراءه فتبخسه حقه، ولنا فى تجربة القطن تجربة مخيبة للآمال، حيث تلبست الحكومة روح د.جيكل ومستر هايد وبعد أن حمَّست الفلاحين على زراعة القطن تنصلت من وعدها بشرائه!.. الكثير من المواطنين يتساءلون إن كانت تلك الوجبات ستظل على جودتها.. إذن يشترك التجار الجشعون مع المواطنين الغلابة فى عدم الثقة فى كفاءة الحكومة، من كثرة رسوبها فى امتحانات سابقة.. الدولة لن تؤكد قوتها وحكومتها خايبة.. الدولة القوية لا يقف التجار أمامها ندا بند.. لذلك لو لم تبحث الحكومة قهر التجار الجشعين بتنشيط الأسواق الشعبية فسرعان ما سيصل الفساد لمنظومة الوجبات فتنخفض جودتها وتعود الحكومة لسابق عهدها معنا حيث تعطينا الإنجاز المؤقت باليمين ثم تلسعنا القفا بالشمال!.

www.facebook.com/ghada sherif

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية