مات البابا شنودة ولم يزُر القدس، وقال فيما معناه إنه لن يزورها إلا يوم تحريرها مع إخوته المسلمين.. ومات دون أن يصلى فى القدس.. وها هو البابا تواضروس يكسر القاعدة مضطراً تأدية لواجب عزاء.. وهنا توهم كثيرون أن البابا الجديد زار القدس ليفتح الباب أمام زيارة المسيحيين، واعتبروها سقطة كبرى.. مع أن البابا لم يصدر عنه ما يشير إلى حق الزيارة، وإنما صدر عن البابا ما يُشبه الاعتذار أصلاً!
الرئيس أبومازن عندما كان فى القاهرة دعا البابا إلى زيارة القدس، وقال له «زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان».. وأظن أن البابا رد بابتسامة، ليؤكد موقفاً قديماً للكنيسة من الزيارة.. وكأنه كان يعرف مقدماً الاتهامات، وربما يقال إنه ضيّع قضية فلسطين.. لكن البابا لم يكن يعلم أن الزيارة وجبت، ولو كان عبر واجب عزاء، فى مطران القدس.. وكان ما كان من الأشرار، ودعاة الفتنة والبلاوى!
وأظن أن الزيارة تقع تحت عنوان زيارة المضطر، أو المُكره.. كأنها تشبه أكل الميتة.. فقد زار القدس ليؤدى العزاء فى أستاذه، وهى تحمل معانى الوفاء، أكثر مما قيل إنها شرخ.. فلا أرى زيارة البابا تواضروس شرخاً فى الجدار، ولا شرخاً من أى نوع.. ولا أرى أنها جناية ولا حتى سقطة لرأس الكنيسة.. وإلا ما كان البابا فى حاجة ليقدم مبررات أو اعتذارات عن زيارته.. ويمكنك الرجوع إلى خُطبة العزاء!
ولا شك أن البابا قد تألم مرتين.. الأولى لرحيل أستاذه إبرام، والثانية لأن الزيارة جاءت فى ظروف قاسية، وليس بعد فرحة تحرير القدس.. وكل ذلك قد دفعه للتعبير عن مرارته، فقدم ما يشبه الاعتذار، حين قال «لا أعتبر أن هذه زيارة، لأن الزيارة يجب أن نُجهز لها ونعمل جدولا ومواعيد وأماكن، ولكنها واجب عزاء، ولمسة وفاء لإنسان وطنى، ولتعزية كل أبنائه الأحباء المتواجدين فى الأماكن المقدسة»!
هكذا قال البابا وكأنه يشعر بالألم، وكأنه يشعر بالذنب، وكأنه يسوق المبررات، لأولى الألباب، فيضيف: «لا تعتبر هذه زيارة بأى صورة من الصور، فهى تأدية واجب، وأعتقد أن التقصير وعدم الحضور بالنسبة لى سواء على المستوى الذى أمثله، أو على المستوى الشخصى، كان سيعتبر نوعا من التقصير، لا يجب أن يحدث».. فهل نقدم له الاتهامات بتضييع القضية، أم نوجه له التحية، لأنه تصرف بوطنية؟!
كان بمقدور البابا أن يقبل دعوة «أبومازن» بزيارة القدس، وكان بمقدوره أن يهيئ لها الإعلام، وكان من الممكن إطلاق حملة عنوانها «عروبة القدس»، وكان من الممكن أن يذهب مع البابا وفد رفيع المستوى من المسلمين قبل المسيحيين، ويقال إن الزيارة الآن انتصار للقضية الفلسطينية، ومحاولة لعدم نسيانها.. كل ذلك كان من الممكن أن يحدث، لولا أنه لا يعرف الالتفاف، ولا يعرف المراوغة أبداً!
الكنيسة المصرية وطنية.. عندما تُقاطع، وعندما تزور القدس.. لا تلعب بالبيضة والحجر مثل الإخوان.. المؤسسة الدينية فى مصر هى الأزهر والكنيسة.. كلاهما يعرف دوره ويعرف مكانته.. وكما قال الرئيس عباس، فإن «زيارة السجين لا تعنى التطبيع مع السجان».. ولكنها تحسب فى صالح الفلسطينيين لا عليهم أبداً!