على طريقة كان ياما كان، يحكى الدكتور خالد حنفى، وزير التموين والتجارة الداخلية، طرفا من قصة الفساد: «كان هناك 7 أشخاص يسيطرون تماما على واردات مصر من القمح، كانوا يقومون بتدوير المناقصات على أنفسهم ليفوز بها واحد منهم فقط كل مرة. أصبحوا (مالتى مليارديرات) وحققوا أرباحا طائلة. واحد منهم كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة»..
حكايات الدكتور حنفى أعلاه تكشف الوجه القبيح للاحتكارات فى مصر، وإذا كان الوزير عبر هيئة السلع التموينية استطاع تفكيك مافيا الأقماح، عصابة السبعة، فإن الاحتكارات للأسف لاتزال تسيطر على سوق الغذاء المصرى، يقينا هناك سبعة آخرون يحتكرون استيراد كل سلعة ولم يقترب منهم الوزير بعد، أخشى أنه يخشى الاقتراب.
سبعة حيتان، سبعة مالتى مليارديرات يتكررون فى اللحوم والأسماك والدواجن والسكر والزيت والسمن، سبعة قطط سمان، لو وزير التموين، ممثلا للدولة الفقيرة، صادق فى محاربة هذه الاحتكارات لأغلق هذا الباب الذى يتسللون منه إلى أقوات الغلابة، لأغلق حنفية المناقصات الوهمية، لمنع الاستيراد السلعى بالمناقصات، ولأسند استيراد السلع العشر الأساسية إلى هيئة السلع التموينية.
إذا كان سبعة فى القمح تحولوا لـ«مالتى مليارديرات» من نصباية المناقصات، ألا يستدعى هذا مراجعة أسلوب الاستيراد السلعى بطريق المناقصات؟.. لماذا تتخلى الدولة عن دورها الطبيعى، لماذا لا تسترد مناقصاتها من براثن الحيتان، وتحول دون توريدات بالغلا والكوا، مَن له مصلحة فى استمرار نظام المناقصات الذى يحتكره المليارديرات؟
نجاح الوزير فى تفكيك مافيا استيراد الأقماح يطمعنا فى تكرار هذا الاختراق فى بقية الاحتكارات، لن تستقيم السوق المصرية وتهبط أسعارها إلا إذا دخلت الدولة بثقلها فى استيراد السلع الغذائية، لا مبرر إطلاقا لإطلاق القطط السمان على غذاء الغلابة.
يقينا الدولة تعرف القراءة والكتابة، وعندما تترك مناقصاتها إلى مَن يجهل القراءة والكتابة ليستورد لها السلع الغذائية يبقى فيه مشكلة، فيه فساد، فيه مصلحة، مَن صاحب المصلحة فى استمرار هؤلاء الحيتان يسيطرون على السوق المصرية؟
طبعا هناك مستفيدون فى الجهاز الحكومى، لم يكن هؤلاء السبعة يتحولون إلى «مالتى مليارديرات» من دم الغلابة إلا إذا كان هناك مَن أعانهم على فسادهم، وسلم إليهم السوق ليرمحوا فيها، أخشى أن أمثال هؤلاء حاضرون فى المشهد الراهن!!
اكتشاف الوزير المتأخر لمليارديرات القمح لا يغفر للحكومة غض البصر عن بقية الاحتكارات فى بقية السلع، وإذا كان الوزير استطاع تفكيك حلقة القمح الشريرة، فعلى الحكومة أن تدخل عش الدبابير وتتحمل القرص وتفكك هذه الحلقات الاحتكارية التى تلتف حول جذرها وتكاد تخنق السوق، بدون إجراءات عاجلة للحد من خطورة الاحتكارات كأنك يا أبوزيد ما غزيت، وكل إجراءات الحكومة فى تخفيف الأعباء المعيشية على المستهلك لن تثمر مادام هؤلاء يُمسكون بخناق السوق من المنبع.
الوزير «حنفى» يقلب الملفات المسكوت عنها، وإذا كان بجرأة فتح ملف القمح فعليه أن يكمل المعركة ويفتح بقية الملفات، ولن يثمر هذا المجهود دون الإعلان عن أسماء هؤلاء المحتكرين المضاربين بقوت الشعب، ودون تقديم هؤلاء إلى الكسب غير المشروع.
يظل كلام الوزير كلاما ساكتا، وتجار الأورنص ينشطون فى زمن الحرب، ونحن فى حالة حرب، وهؤلاء ينشطون، ولابد من ردعهم والضرب على أيديهم، وتحرير السلع الغذائية من قبضتهم، وإعادة سيطرة الدولة على استيراد السلع، لا يتصور عقل أن يبقى هؤلاء المحتكرون فى السوق، والدولة تعتمد على هؤلاء فى تلبية حاجاتها الاستيرادية، كعكة الاستيراد تُقسم على سبعة، وتحولوا إلى مليارديرات، كيف تتحمل دولة مدينة سبعة مليارديرات من هذه النوعية التى تخنق الأسواق؟