x

جيهان منصور «الإسلاموفوبيا» بين الصقور والحمائم فى الإدارة الأمريكية جيهان منصور الخميس 26-11-2015 21:28


تداعيات هجمات باريس مازالت تخيم على مجريات السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية وسط حالة استنفار أمنى كبير تحسباً لأى أعمال إرهابية، وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت تحذيراً عالمياً بشأن سفر المواطنين الأمريكيين لأى دولة عشية الاحتفالات بعيد الشكر، هذا القرار ينتهى فى ٢٤ فبراير ٢٠١٦ وهو ما يعنى إلغاء خطط السفر فى أعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية. الخارجية الأمريكية تقول إن لديها معلومات تبعث على الاعتقاد بأن تنظيم داعش والقاعدة وبوكو حرام يواصلون التخطيط لهجمات إرهابية أخرى فى العديد من مناطق العالم، لذا وجب تحذير مواطنى الدولة من السفر للخارج، فماذا عن الداخل الأمريكى؟ تحذيرات مماثلة أصدرتها الخارجية الأمريكية وأجهزة الأمن للمواطنين على اليقظه فى الأماكن العامة أو عند استخدام وسائل المواصلات وخصوصا فى العطلات والمناسبات الرسمية.

هذا الاستنفار الأمنى فى الحقيقة يصاحبه موجةٌ من التعصب ضد ٧ ملايين مسلم أمريكى بما نسبته ٩٪ من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، يحملها خطابٌ من الكراهية والعنصرية تتجلى صوره فى كثير من الإجراءات والتصريحات التى يتبناها بشكلٍ كبير أعضاء الحزب الجمهورى، فالمسلمون فى أمريكا الآن يعيشون ما يشبه أجواء الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، هيستريا عدم التسامح والاضهاد ضد المسلمين الأمريكيين، بعضُها يصل إلى نزعة فاشية متطرفة تنادى بتهجير المسلمين! وأخرى تطالب بإغلاق المساجد! هذا بالطبع إلى جانب تحميل اللاجئين السوريين - الهاربين أصلا من ويلات جحيم الحرب الأهلية وصواريخ العالم التى تنهال عليهم- المسؤولية عن أحداث باريس، ما دعا أغلبية ٢٨٩ من المشرعين فى الكونجرس الأمريكى للتصويت على قرار بمنع استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين رداً على مشروع الرئيس الأمريكى باراك أوباما بزيادة أعداد اللاجئين الوافدين إلى أمريكا كل عام، فضلاً عن إعلان ٣٧ من حكام الولايات رفضهم استقبال اللاجئين السوريين، فى محاولة للَّى ذراع إدارة أوباما عن طريق إشاعة جو «الإسلاموفوبيا» والتهليل للدفاع عن الأمن القومى من جوقة الحزب الجمهورى التى تستخدم كل الوسائل لزرع الخوف من المسلمين فى عقول المواطنين الأمريكيين.

قاد معسكر التطرّف والعنصرية البغيضة ضد المسلمين الأمريكيين، المرشح عن الحزب الجمهورى المليونير المشاغب (دونالد ترامب) والذى طالب بعمل بطاقة هُويةٍ خاصة للمسلمين الأمريكيين! لتسهيل رصد تحركاتهم وربطها بقاعدة بيانات خاصة بالمسلمين لصد أى هجوم إرهابى محتمل على الأمريكيين! ما أثار غضباً شديدا فى أوساط مسلمى أمريكا الذين قاموا بالرد عليه بوضع صور هُوياتهم على صفحات السوشيال ميديا، مُذيلةً بإنجازات المسلمين رداً على اتهام (ترامب) لهم بأنهم لم يقدموا شيئاً لوطنهم الجديد، فتبارى المسلمون الأمريكيون ومنهم الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعات، فضلا عن المنتمين للشرطة والجيش فى فضح أكاذيب (ترامب) بإثباتهم أن الجالية المسلمة فى أمريكا هى الأعلى تعليماً، فضلا عن أن أعضاءها يحتلون مناصب رفيعة المكانة، كالأمم المتحدة والبنك الدولى ووكالة الفضاء الأمريكى ناسا.

واتهمت بعض وسائل الإعلام ومنها -إل سى إن إن - حملة (ترامب) الانتخابية بأنها «حملة قبيحة» قائمة على فكرة «تقسيم» الأمريكيين، خاصة بعد الرواية المفبركة التى ساقها حول « تهليل آلاف الآلاف من المسلمين فى ولاية نيوجيرسى الأمريكية لهجمات الحادى عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن!» وهى الرواية التى ليس لها أى أساس من الصحة، كما تعهد (ترامب) بأنه فى حال فوزه فإنه سيغلق بعض المساجد، ووصل به الجنون حد المطالبة بتهجير اللاجئين ومنهم السوريون، مستشهداً بثلاثة رؤساء أمريكيين سابقين هم (الرئيس هيربرت هوڤر ١٩٢٩-١٩٣٣) الذى قام بترحيل ١٢١ ألفاً من المهاجرين على إثر «الكساد العظيم» بدافع الحفاظ على وظائف الأمريكيين، (الرئيس هارى ترومان ١٩٤٥-١٩٦١) الذى قام بترحيل ما يقارب ٣ ونصف مليون مهاجر، ثم الرئيس (دوايت إيزنهاور ١٩٥٣-١٩٦١) الذى تجاوز عدد المهاجرين الذين تم إكراهُهم على الرحيل من أمريكا أكثر من مليونى مهاجر، فهل يعيدُ ترامب الكرةَ فى حال فوزه بالرئاسة؟ لا أحد يستبعد أى شىء على ترامب!

بالتأكيد هذا الخطاب العنصرى لا يروق للنخبة السياسية فى واشنطن، وبخاصة أن (ترامب ) قام فى البداية بالهجوم على المهاجرين من أصول لاتينية مطالباً بإقامة سُوَرٍ على الحدود الأمريكية الجنوبية على غرار سُوَر إسرائيل! ثم استهدف بالتعصب الدينى الأعمى المسلمين الأمريكيين، وتطرق أيضا إلى الأمريكيين من أصول أفريقية متهماً إياهم بانتهاج العنف ضد الأمريكيين البيض ورجال الشرطة، وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات ضده من كل الفئات السابقة.

وصحيحُ القول إن فكرة التعصب الأعمى تجاه لون أو عقيدة أو جنسية معينة، تتناقض مع مبادئ الدستور الأمريكى الذى يمنع التمييز على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو بلد المنشأ، ويحترم الاختلاف وحرية والعبادة، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن (ترامب) مازال متصدراً لاستطلاعات الرأى بما نسبته ٣٢٪ من أصوات الأمريكيين الجمهوريين، وهو ما يعطى انطباعاً أن خطاب العنصرية والتعصب ضد كل من هو «ليس مواطنا أبيض مسيحيا»، يلقى رواجاً لدى نفرٍ غير قليلٍ من الأمريكيين.

وما بين صقور الجمهوريين فى الكونجرس ومحافظى الولايات، ونبرة التعصب الأعمى والإسلاموفوبيا بين المرشحين عن الرياسة من الحزب الجمهورى، يقابلها تصريحاتٌ متوازنة بعض الشىء عن المسلمين صدرت من حمائم الإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس (باراك أوباما) الذى رفض - من ماليزيا- دعوات محاصرة المسلمين قائلاً «لسنا فى حالة حرب مع دين بأكمله، الإخلال والتمييز يساعدان (داعش) ويقوضان أمننا القومى» وانتقد (أوباما) دعوات عدم استقبال اللاجئين السوريين فى بلاده بالقول: «لو أنك كنت أباً ورأيت هؤلاء الأطفال، ثم قلت إننا غير قادرين على العثور على منزلٍ لهم فى أى مكانٍ فى الولايات المتحدة الأمريكية، فهذا يشكلُ تعارضاً مع قيمنا. «كما انحازت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطى (هيلارى كلينتون) لرؤية الرئيس أوباما بأنه «ليس من العدل أن نقوم بالتمييز ضد المسلمين ونغلق أبوابنا فى وجه أطفال سوريا الأيتام، نحن أفضل من ذلك».

إلا أن هناك بعض الأصوات فى الحزب الديمقراطى تغرد خارج السرب وتنتهج نهجاً شبيهاً بالجمهوريين، أحد أهم أركان الحزب الديمقراطى فى مجلس الشيوخ سيناتور (دايان فاينستاين) قررت رفض موقف البيت الأبيض فى سياسة استقبال اللاجئين السوريين، من جانبه أوضح السيناتور الديمقراطى الداعم بشدة «لإسرائيل» (شارلز شومر) أنه «قد نلجأ لوقف جهود إعادة توطين اللاجئين السوريين فى الولايات المتحدة لدواعى الضرورة». وعلى ما يبدو أنه كلما إقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة فى نوڤمبر القادم، سوف تزداد موجة النأى بالنفس من جانب الديمقراطيين عن سياسات الرئيس أوباما فى ملف السياسة الخارجية والهجرة واللاجئين فى محاولة لكسب أكبر تأييد انتخابى، وإلا فإن نعراتِ العنصرية وركوب موجة الأمن القومى التى يسوقها ويروج لها مرشحو الحزب الجمهورى ستحصد الأصوات المتأرجحة التى تحسمُ دائما نتيجةَ الانتخابات الرئاسية.

لكن المدقق فى التحركات الدولية المتسارعة لتشكيل تحالف دولى لمحاربة الإرهاب، والتى قاطعها التشاحن بين أنقرة وموسكو على خلفية إسقاط الطائرة الحربية الروسية فى الأجواء التركية، يجد تحولاً خطيراً يستلزم قراءة متأنيةً للوضع الدولى، الذى يشبهه البعض ببداية حرب عالمية ثالثة على أرض سوريا، تجلى ذلك بوضوح فى غضب موسكو من أنقرة الذى وصفه الرئيس الروسى (ڤلاديمير پوتين) «بالطعنة فى الظهر» من «شركاء الإرهابيين» محذرا تركيا من «عواقب خطيرة»، كما ألغى وزير الخارجية الروسى (سيرجى لاڤروف ) زيارة كانت مقررة إلى تركيا الأربعاء، ووجه (لافروف) الروس بعدم زيارة تركيا، ثم صدر بيان من قيادة الأركان الروسية بقطع العلاقات مع تركيا، متضمنا تصريحا بأن روسيا ستدمر أى أهداف تهدد جيشها. تلك التطورات تجعلنا نضع ألفَ حسابٍ لرد الفعل الروسى المتوقع، وأى عقوباتٍ ستفرضها موسكو على أنقرة رداً على إهانتها دولياً بإسقاط طائرة حربية تبلغ قيمتها ٢٥ مليون دولار ومقتل طاقمها الروسى؟

فى المقابل جاء رد فعل حلف شمال الأطلسى (الناتو) مدافعا عن الرواية التركية، حيث عبر الأمين العام للحلف ( ينس ستولتنبرج) من بروكسل عن تضامنه مع تركيا ودعمه لسلامة أراضيها كدولة حليفة فى الناتو، منتقداً هجمات روسيا فى سوريا والتى وصفها بأنها تستهدف أماكن لا يوجد بها داعش، كما لم يدافع سفراء الدول الـ٢٨ الأعضاء فى الحلف عن تصرفات روسيا، لكنهم قالوا إنه كان من الممكن أن ترافق المقاتلات التركية الطائرة الروسية إلى خارج المجال الجوى التركى بدلاً من قصفها.

وهنا فى واشنطن وفى مؤتمر صحفى مشترك بين الرئيسين الأمريكى باراك أوباما ونظيره الفرنسى فرانسوا هولاند، انتقد الرئيسان سياسة روسيا فى دعم بشار الأسد، مطالبين برحيله فورا، وتحدث أوباما عن حق تركيا فى الدفاع عن أجوائها، واتفق الرئيسان على ضرورة عدم الربط بين ملف اللاجئين السوريين وتهديدات داعش الإرهابية، ويبدو أن هناك تطابقاً فى وجهات نظر الرئيسين فى ضرورة نبذ التعصب ضد الإسلام والمسلمين نتيجة الإرهاب الذى يمارسه داعش فى العالم.

أجواء الحرب الباردة بين قطبى العالم تعود من جديد، ففيما تدافع واشنطن ومن خلفها حلف شمال الأطلسى (الناتو) عن موقف أنقرة، يواصل الدب القطبى رفع نبرة تهديداته لتركيا وفى يده كثير من الأوراق يلعب بها فى الشرق الأوسط خاصة مع التحالف الروسى الإيرانى الصينى، ويبقى العالم العربى والإسلامى رهينةً لصراع القوة بينهما، فكما كان استهدافُ الطائرة الروسية من المجال الجوى التركى وتم إسقاطها فى سوريا، فإن المحللين العسكريين يتوقعون أن أى رد فعل عسكرى قد تلجأ له روسيا ضد تركيا سيكون أيضاً على أرض سوريا، التى ستشهد على ما يبدو حربا بالوكالة بين موسكو وواشنطن من الأبواب الخلفية عبر تركيا والناتو، وتظل أجواء التعصب الأعمى ضد المسلمين والعرب هى قاطرة المشهد واللعبة الانتخابية بل ومسرحاً للمزايدات الدولية، فهل من دورٍ عربيٍ إسلاميٍ لدعم اللاجئين السوريين وحل أزمة سوريا بمظلة عربية؟ أم سننتظر أن يخطط الكبار ويحركون قطعهم العسكرية بكل أريحية على رقعة شطرنج تمثل عالمنا العربى بلا أدنى مقاومة؟!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية