x

سعد الدين ابراهيم مأساة القبض على «بهجت» و«دياب»: لماذا تُفسد الدولة العميقة خطط السيسى التنموية؟ سعد الدين ابراهيم الجمعة 27-11-2015 21:12


حينما تكتب أشهر صحيفة فى العالم وهى النيويورك تايم، افتتاحية تستنكر فيها القبض على حقوقيين أو رجال أعمال مصريين، فإن ذلك يهز صورة مصر، ويقوّض الثقة فى نظامها الحاكم، أى فى الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه، ويُلغى معظم، إن لم يكن كل النوايا الطيبة، وكل وعود ضمان الأمان للاستثمار، الذى يُجاهد الرجل ورئيس وزرائه والوزراء فى الدعوة إليه.

فبعكس ما قد يعتقده الكثيرون فى الداخل، من أنه لا علاقة للاستثمار أو المعونات الأجنبية بالمشهد الداخلى، أو بقضايا حقوق الإنسان، فإن صحافة وبرلمانات الدول المانحة ذات تأثير قاطع، فى اتخاذ القرارات بشأنها. وأنا أتحدث هنا عن خبرة شخصية مُباشرة. فحينما تم القبض علىّ، وعلى عشرين آخرين من مركز ابن خلدون فى عهد الرئيس حسنى مبارك عام (2000)، علق الاتحاد الأوروبى مساعداته لمصر. وكذلك المساعدات الأمريكية، إلى أن تمت مُحاكمتنا أمام أعلى محاكم البلاد، وهى محكمة النقض، ولكن الأمر استغرق ثلاث سنوات نالت من سُمعة نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكانت القضية أحد المعاول التى هدمت نظامه، ومهّدت لثورة 25 يناير 2011.

وكما لو أن النظام السياسى وأجهزته الأمنية لا يتعلمون، أو يعتقدون أن المنظمات الحقوقية لن تنتبه، ولن تُقيم الدُنيا وتُقعدها بسبب القبض على أحد نُشطاء حقوق الإنسان المرموقين عالمياً، وهو حسام بهجت، أو أنكى من ذلك القبض، بشكل مُهين وغير آدمى على رجل الأعمال المصرى المهندس الكبير صلاح دياب.

صحيح أنه لا أحد فوق القانون، فإذا كان الناشط حُسام بهجت أو رجل الأعمال صلاح دياب قد ارتكبا جُرماً يستحق المُساءلة، أو المُحاكمة، فليكن ذلك بواسطة السُلطة القضائية المدنية للدولة، وليس بواسطة الشُرطة العسكرية والمُحاكمة العسكرية، التى لا يوجد فيها استئناف أو نقض. وما حدث مع حُسام بهجت وصلاح دياب هو تعسف بغير حدود. وإذا كان ذلك يحدث لشخصيتين عامتين معروفتين، محلياً وإقليمياً ودولياً، فما بالنا بآحاد المواطنين العاديين غير المعروفين؟

أم أن هذه رسالة مقصود بها تخويف المُثقفين ورجال الأعمال، وربما تخويف الشعب المصرى كله، عملاً بالمثل الدارج: «اضرب المربوط، يخاف السايب»!؟ أم أنها «الدولة العميقة» تعود للحكم والتحكم فى البلاد وفى العباد من وراء الستار؟

والدولة العميقة التى نقصدها فى عنوان هذا المقال، وفى كتاباتنا عموماً، هى الدولة التى تتحكم الأجهزة الأمنية فى سياساتها العامة، الداخلية والخارجية، دون أن تظهر بالضرورة علانية. من ذلك أجهزة المُخابرات بكل فروعها، والأمن الوطنى (مباحث أمن الدولة سابقاً). فالرأى العام لا يعلم، ولن يعرف الكثير عن تلك الأجهزة، لا من حيث قياداتها أو العاملين فيها، أو طريقة عملها، فهى خارج الرقابة المجتمعية. وحتى فى وجود برلمان مُنتخب، فإن لجنة واحدة فقط من لجانه التى تتجاوز العشرين، هى التى يمكن أن تطلع أو تُراقب، أو تُسائل هذه الأجهزة، وهو نادراً ما يحدث!

وطبعاً، هناك تبرير للسرية والغموض والكتمان الذى يُحيط بتلك الأجهزة. وهو تبرير مطاط وفضفاض، وهو المُحافظة على اعتبارات وأسرار الأمن القومى!

هذا علماً أن الأطراف الخارجية المُعادية، إن وجدت، فلها أساليبها المتقدمة لاختراق هذا الأمن القومى. من ذلك أن التقرير السنوى للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية (International Institute for Strategic Studies IISS)، ومقره لندن، ينشر معلومات غزيرة وموثقة عن حجم القوات المُسلحة وفروعها وأنواع أسلحتها، وترتيبها مُقارنة بمثيلاتها فى أكثر من مائة وستين دولة أخرى فى العالم. كما ينشر نفس التقرير طبيعة التحالفات والتهديدات لكل دولة، بما فى ذلك وجود قواعد عسكرية أو تسهيلات تمنحها أو تسمح بها الدولة لدولة أخرى، أو لتحالف أو تكتل دولى على أراضيها أو أجوائها.

وخُلاصة الأمر أن تلك الأجهزة المُخابراتية والمباحثية تتحول فى دول العالم الثالث، ومنها مصر، إلى أجهزة مُتخصصة فى إرهاب المواطنين، واستقطاع نسبة كبيرة من موارد الدولة، لحسابها الخاص. أو بمعنى أدق لحساب كبار العاملين فيها. من ذلك أن مصادر بحثية خارجية مثل الـ IISS، المُشار إليه أعلاه، قام بتقدير نصيب القوات المُسلحة من الناتج القومى الإجمالى (Gross National Product GNP) بحوالى 40 فى المائة. وهى من أعلى النسب فى العالم. وأظن أن ذلك هو ما يُفسر، ويتجلى، فى ملكية القوات المُسلحة لشركات مقاولات عملاقة، ومنافذ بالمئات لمُجمعات استهلاكية، ومحطات وقود وبنزين وخدمة سيارات، تحت اسم الوطنية، ذات اللون الأخضر.

وأظن أن بعضاً من هذا، هو الذى تحدث وكتب عنه الناشط الحقوقى حُسام بهجت، واعتبرته أجهزة الدولة العميقة تجاوزاً، أو اختراقاً لخطوط حمراء، ولذلك لاحقته وطاردته أمنياً!

أما ترويع المهندس صلاح دياب، بمُداهمة منزله ليلاً، واقتحام غُرفة نومه، وإلقاء القبض عليه، وتقييد معصمه بالسلاسل، ثم تعمد تصويره بتلك الحالة، ونشر ذلك فى وسائل الإعلام المملوكة للدولة، فلا يمكن تفسيره إلا بأنه إجراء تأديبى ترهيبى لأحد كبار رجال الأعمال فى مصر. وكأن الرسالة هى أن الدولة العميقة يمكن أن تطال أكبر الرؤوس فى مصر.

ولمن لا يعرفون عن صلاح دياب غير ملكيته لأكبر صحيفة يومية فى مصر، وهى المصرى اليوم، فإن الرجل ينحدر من أسرة وطنية عريقة، وكان جده الأكبر، توفيق دياب، أحد قادة ثورة 1919، التى فجّرها سعد زغلول، ضد الإنجليز، وتُشير إليه كُتب التاريخ كمؤسس لجمهورية زفتى، التى هى الآن أحد مراكز محافظة الغربية، على حدودها مع الدقهلية، ويفصلها فرع دمياط، عن مدينة ميت غمر، التى انضمت فى ذلك الوقت إلى جمهورية زفتى كجزء مستقل عن هيمنة كل من الإنجليز المحتلين، وأسرة محمد على المالكة، والمُتعاونة مع الاحتلال فى ذلك الوقت.

أما صلاح دياب نفسه فهو أحد طلائع الرأسمالية الوطنية المُبدعة فى مصر خلال الرُبع قرن الأخير. ومن مُبادراته الفذة إدخال زراعات حديثة فى مصر، من خلال شركة بيكو (Pico) وكذلك إنقاذ وتجديد صناعة الحلويات فى مصر، من خلال مخابز لبوار (Liborio).

وشأن صلاح دياب، شأن نجيب ساويرس، لم يهرب من مصر بعد ثورة 25 يناير، مثلما هرب آخرون. بل صمد واستمر فى عطائه وإبداعاته فى عدة ميادين اقتصادية وفكرية وإعلامية. فهما فى هذا الصدد، امتداد لتقاليد طلعت حرب، مؤسس بنك مصر وقطاع صناعات الغزل والنسيج والمسرح والسينما.

إن هذه رسالة، ضمن رسائل آخرين، ممن عبّروا عن الاستياء والاستنكار لما حدث لكل من الحقوقى حُسام بهجت ورجل الأعمال المُبدع صلاح دياب. وهى موجهة للرئيس السيسى ولأجهزة الدولة العميقة على السواء، وهى اتقوا الله فى مصر وشعبها والمُجاهدين من طلائعها وارحموا من فى الأرض، ربما يرحمكم من فى السماء.

وعلى الله قصد السبيل.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية