بمجرد ظهور صديقى الفنان يحيى الفخرانى على خشبة المسرح القومى فى المسرحية الرائعة «ليلة من ألف ليلة»، تأكدت أننا أمام فنان من الطراز الأول، يمتلك ويسيطر على كل جزء من خشبة المسرح دون افتعال أو صراخ، وإنما تلقائية وبساطة تضعه ضمن أشهر فنانى المسرح فى العالم. أدى الفخرانى كعاشق للفن، ضحك وبكى وغنى وامتلك أحاسيس جمهوره، فصار يحركها كيفما شاء وفى الوقت الذى يحدده. وعلى الرغم من المساحة الصغيرة من الوقت لدور الفنان لطفى لبيب، فإنه استطاع أن يمتعنا وينال إعجاب الجمهور بأدائه السهل الجميل خفيف الظل.. وتُعتبر الفنانة المثقفة هبة مجدى من مكاسب «ليلة من ألف ليلة»، حيث أبدعت تمثيلاً وغناءً، ومما لا شك فيه أن هذا الدور سيكون سبباً فى انطلاقة فنية قادمة، أما المطرب محمد محسن فأمامه مستقبل طيب فى الغناء..
تعيد «ليلة من ألف ليلة» المسرح الغنائى المصرى بعد غياب طويل، ونجاحها يثبت عشق الجمهور المصرى لهذا النوع من المسرح الذى افتقدناه من حياتنا. والمبهج فعلاً أننا على أعتاب عصر جديد لنهضة المسرح المصرى، بعد سنوات من اللبس والخلط بين مفهوم المسرح والكباريه! استطاع الفخرانى بكل اقتدار أن يأخذنا معه فى رحلة جميلة تمتعنا فيها بفن راق يحترم إنسانيتنا ومشاعرنا.. وعلى الرغم من أن أحداث المسرحية تدور فى بغداد، فإن الشخصية المصرية واضحة ومؤثرة فى الأحداث، وكان دور شحاتة مميزاً يشدك لتتعاطف معه، حتى وهو يُقدم على القتل، دفاعاً عن شرفه وعن ابنته.
برهن العملاق يحيى الفخرانى على أنه فنان شامل صال وجال على خشبة المسرح، فأعاد الحياة والبهجة للمسرح القومى الرائع، بعد ترميمه، وعلى الفنان فتوح أحمد، رئيس البيت الفنى للمسرح، أن يواصل النجاح بتشجيع النجوم على تقديم أعمال متميزة يستعيد بها المسرح القومى مجده القديم. أتمنى أن نرى الأعمال المسرحية المحلية والعالمية على خشبة المسرح القومى لكى يعود الجمهور المصرى المتعطش لفن المسرح. لقد أخبرنى الفنان يوسف إسماعيل، مدير عام المسرح، بأن مسرحية «ليلة من ألف ليلة» تكلفت الكثير، ولكن إيراد شهر واحد غطى معظم تكاليفها.. فمَن قال إن الفن الجميل ليس مربحاً؟ أتمنى أن نحافظ جميعاً على نظافة وجمال المسرح القومى، وألا تطاله يد الإهمال لا على المدى القريب أو البعيد.
كنت أتمنى أن أتحدث عن كل فرد فى فريق العمل الرائع الذى يضاف إلى رصيد المسرح المصرى، وللأسف ضيق المساحة يمنع ذلك، ولكن يجب أن أشيد بدور سلمى غريب وضياء عبدالخالق والفنان أحمد صدقى، الذى عاصرته وهو يعمل بقسم الرسم بمصلحة الآثار، وعشنا مع ألحانه الجميلة ليلة فنية ممتعة. أما عن الملابس، فكانت تحفة فنية وحدها، واستطاعت نعيمة عجمى أن تقدم ملابس تليق بمحتوى النص المسرحى متكيفاً مع البيئة والعصر. وكذلك عشنا أجواء المسرحية وعصرها بفضل الديكور الرائع لمحمد الغرباوى، أما المخرج محسن حلمى فنجح فى تقديم قطعة نادرة من التراث فى شكل مسرحى غنائى يعيد الجمهور إلى المسرح.. هذه المسرحية نموذج للعمل المسرحى المبدع، الذى يجب أن نبنى عليه ما هو آت، لكى يعود المصريون إلى المسرح، بعد غياب طويل.. ليست هذه هى المرة الأولى التى تقدم فيها المسرحية على خشبة المسرح، ولكن هذه المرة جاءت بإطلالة متميزة، وتمثل بداية ناجحة يعود بها المسرح القومى للتأثير من جديد.. تحية إلى الفنان المبدع يحيى الفخرانى، الذى راهن على ذوق الجمهور المصرى، فقدم لنا عملاً جميلاً يستحق منا أن نشاهده بدل المرة ألف مرة.