خراب مدريد.. كان هذا هو العنوان الصادم والقاسى جدا الذى اختارته صحيفة «آس» الإسبانية الرياضية الشهيرة لتختصر به أحداث ونتيجة الكلاسيكو، أمس الأول.. فقد عاد برشلونة إلى كاتالونيا يحمل معه كبرياء التألق وفرحة الانتصار، تاركاً أربعة أهداف جميلة ونظيفة فى مرمى الريال، لتقضى مدريد ليلة حزينة شديدة المرارة..
ورغم كل ذلك، أرفض عنوان جريدة «آس» وأراه يحمل الكثير من التجنى والمبالغة.. ليس فقط لأننى من مشجعى الريال، وتُحزننى بالتأكيد أى خسارة للريال، وبالتحديد لو جاءت هذه الخسارة أمام برشلونة، ويصبح الحزن أكبر لو لم تكن مجرد خسارة عادية، إنما خسارة يسبقها هذا الأداء الردىء وكل هذا الارتباك والعجز.. لكنها كرة القدم وجنونها وجمالها وكل ما فيها من دراما وإثارة وتحولات عاصفة لا يتوقعها أى أحد.. أرفض أيضا عنوان جريدة آس، لأننى من الذين يحبون مدريد كمدينة لى فيها كثير من الحكايات والذكريات واكتمال المشاوير وتحقيق الكثير من الأحلام..
أما السبب الأهم فهو تزامن إقامة هذا الكلاسيكو مع التهديدات التى لاحقت أكثر من مدينة أوروبية والدماء التى لاتزال تجرى فى باماكو عاصمة مالى.. فقد تحولت بروكسل منذ أمس الأول من عاصمة لبلجيكا إلى قاعدة ومقر لكثير من المتطرفين والإرهابيين الذين ينوون حرق وتخريب أكثر من مدينة أوروبية مثلما كانت أيضا هى المدينة التى جاء منها مَن حاولوا تفجير باريس وكانوا يريدون رؤوس جمهور كرة القدم فى استاد دو فرانس، الذين كانوا يتابعون مباراة فرنسا وألمانيا.. وتوقف المترو فى بروكسل عن العمل، وتم إعلان حالة الاستنفار القصوى، واضطر اتحاد الكرة البلجيكى إلى إلغاء مباراة أندرلخت ولوكيرين، مع احتمال كبير لتعطيل الدورى البلجيكى كله، خوفاً من وقوع حوادث إرهابية جديدة، حيث بدأت الحكومة البلجيكية بالفعل فى تعطيل حتى الأنشطة العادية فى المبانى العامة ومراكز التسوق..
وأعتقد أن هذا هو الخراب الحقيقى والخوف الحقيقى والحزن الحقيقى وليس مجرد خسارة ناد كبير وعريق مثل الريال بأربعة أهداف أمام برشلونة.. فكرة القدم ستبقى لعبة للحياة، لكنها تفقد كل جمالها وجاذبيتها، بل ضرورتها أيضا مادام كان هناك تهديد للحياة نفسها.. ومثل بروكسل كانت بيروت أيضا تضطر لمنع دخول الجماهير أى ملعب كرة فى كل لبنان، خوفاً من أعمال إرهابية أخرى مثل تلك التى جرت، الأسبوع الماضى، فى منطقة برج البراجنة جنوب بيروت..
وليس الإرهاب فقط هو الذى بات يهدد كرة القدم.. إنما هو هوى التخريب والعنف مثلما جرى، أمس الأول، فى العاصمة اليونانية أثينا أثناء مباراة أوليمبياكوس وباناثينايكوس، حيث وقعت الاشتباكات العنيفة والدموية فى المدرجات وعلى أرض الملعب، وحتى فى الشوارع.. إذ تحولت ملاعب كرة القدم فجأة إلى ساحات لاستعراضات القوى والتعصب والرغبة فى الدم.. وباتت كرة القدم وملاعبها وجماهيرها أهدافاً واضحة ودائمة لكل مَن يحمل قنبلة وكل مَن بات يكره الحياة ولا يريد إلا الخراب والموت.. وفى مناخ كهذا، يصعب جدا الاكتفاء بمشاهدة الكلاسيكو سواء جاءت نتيجته بالفرحة لكثيرين أو الأسى لكل مَن يحبون الريال ومدريد.