لا أعرف إن كانت مصر ستنجح فى التأهل لمونديال 2018 فى روسيا أم سيعجز منتخبها واتحادها عن تحقيق الحلم المصرى الكروى الجماعى المؤجل منذ خمسة وعشرين عاما.. ولكننى أعرف أنه بإمكان مصر تقديم التحية اللائقة بروسيا بمناسبة هذا المونديال.. فقد أعلن أليكسى سوروكين، رئيس اللجنة المنظمة للمونديال الروسى، مؤخرا، اختيار اثنى عشر سفيرا روسيا للمونديال، جميعهم من نجوم الرياضة الروسية فى كرة القدم والمصارعة والجمباز والسباحة وهوكى الجليد..
وأكدت اللجنة المنظمة للمونديال أيضا أنها لا تنوى التعامل مع هذا المونديال باعتباره فقط حدثا كرويا عالميا، لكنها بدأت بالفعل استثماره ثقافيا على مستوى العالم كله.. وربما كان وزير الرياضة الروسى فيتالى موتكو أكثر صراحة من رئيس اللجنة المنظمة للمونديال، حين قال إن الرياضة وكرة القدم فى العالم الآن تدفع ثمن الصراعات والمواقف السياسية.. لكن الرئيس فلاديمير بوتين نفسه.. كان الأكثر صراحة والأشد وضوحا من الجميع، حين قال إنه لم تعد هناك فوارق بين السياسة والرياضة..
ودائما يحب بوتين أن يضرب المثل بدورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، التى استضافتها مدينة سوشى الروسية العام الماضى، وتحولت من مجرد ألعاب رياضية إلى قمة النجاح السياسى لروسيا ورئيسها بوتين.. فقد قررت الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أولا ألا تُقام هذه الدورة فى روسيا.. وتحداهم بوتين وبقيت مدينة سوشى هى صاحبة الدورة.. ثم عادت البلدان الغربية، وأعلنت مقاطعتها لسوشى، احتجاجا على سياسات بوتين.. وكانت محاولات المقاطعة والانسحاب أول حرب إعلامية حقيقية يكسبها بوتين ويخسرها الغرب، واضطرت بلدانه للمشاركة فى الألعاب.. وباستثناء محمد مرسى.. حرص بوتين على اصطحاب كل ضيوفه السياسيين الكبار، ومنهم الرئيس السيسى، إلى سوشى، التى باتت مصدر اعتزاز وكبرياء روسيا وبوتين.. إلى هذا الحد تختلط السياسة بالرياضة، مع كل الاحترام لمن يدعون للفصل بينهما هنا فى مصر..
وبالتالى يمكن لمصر الآن استثمار هذا الفكر الروسى الرياضى والسياسى، وأن تصبح مصر سفيرة للمونديال الروسى على الأقل ثقافيا.. فمصر كانت من أكثر بلدان العالم استقبالا للاجئين والمهاجرين الروس بداية من 1920.. بل إن هناك كتابا جميلا للأكاديمى الروسى جينادى جورياتشكين بعنوان: «الإسكندرية الروسية».. وفيه حكايات الروس الذين عاشوا فى الإسكندرية ونجاحاتهم وإبداعاتهم وألعابهم أيضا.. حكايات جميلة وكثيرة كانت ولاتزال يجهلها الكثيرون..
فليس صحيحا أن العلاقة بين مصر وروسيا بدأت بالسد العالى أو أن الروس فى مصر هم السائحون على شواطئ الغردقة وشرم الشيخ.. وليس صحيحا أيضا أن جريمة إسقاط الطائرة الروسية فى سيناء هى نهاية العلاقة المصرية الروسية، بدليل المحطة النووية فى الضبعة والتى جرى توقيع عقدها بين البلدين، أمس الأول.. ولهذا أدعو مكتبة الإسكندرية لعقد مؤتمر ثقافى عن تاريخ العلاقات المصرية الروسية.. وأدعو وزارة الرياضة لاستضافة بعض سفراء المونديال الروسى فى القاهرة كمحطة أساسية لهم عربيا وأفريقيا وآسيويا.. فمصر الكروية تحلم بالتأهل للمونديال الروسى.. لكن مصر السياسية والاقتصادية ستربح بالتأكيد إن نجحت فى استثمار هذا المونديال.