■ إذا كانت أحداث 11 سبتمبر الأمريكية أحدثت هزة فى أمريكا والعالم وقسمته إلى عالمين ما قبل 11 سبتمبر وما بعدها.. وتفجيرات الرياض فعلت مثل ذلك فى السعودية.. وتفجيرات الدار البيضاء أحدثت أثراً مماثلاً على المغرب.. وتفجير فندق عمان غير الأردن تماماً.. فإن تفجيرات 13 نوفمبر فى باريس ستحدث انقلاباً فى السياسة الفرنسية والأوروبية الداخلية والخارجية.
■ وكما أن 11 سبتمبر وضعت الإسلام والمسلمين والحركات والأحزاب الإسلامية والشعوب والدول العربية فى مواجهة لا تريدها وحرب لا ترغبها وأزمة لم تكن طرفاً فيها.
■ وكما أدت 11 سبتمبر إلى ظلم الإسلام وتعميم الأحكام الخاطئة على المسلمين فى كل مكان بما فيهم مسلمو أمريكا.. فإن تفجيرات 13 نوفمبر الفرنسية ستضع أيضاً الإسلام والمسلمين فى قفص الاتهام فى جريمة لم يقروها أو يعرفوا أصحابها أو يحبوهم أو يؤيدوهم.
■ وقد بدأ الإعلام الأوروبى الآن حملة شرسة تدين الإسلام نفسه، ناسية أن الإسلام هو أهم وآخر حلقة فى سلسلة رسالات السماء التى جاءت بالهداية والرشاد والصلح والإصلاح.. ولكن ما حيلتنا وقد أعطى بعض الحمقى من داعش والقاعدة الذريعة تلو الذريعة لكل من يريد الإساءة للإسلام والنيل منه ووصمه بالإرهاب والعنف.
■ وماذا تفعل إذا غفل الدواعش عن قضايا الإسلام الأساسية ومنها «أن الأصل فى كل الدماء العصمة» دون تفرقة أو تمييز بين دماء المسلمين وغيرهم.. أو دماء السنة عن الشيعة.. أو دماء العرب عن العجم.. وأن الإنسان مهما كان جنسه ولونه فهو بنيان الله الذى خلقه بيده ونفخ فيه من روحه واستخلفه لتعمير الكون وحمله بأعظم أمانة.
■ لقد نسى هؤلاء أن تكريم الله للإنسان كان عاماً وشاملاً.. لا يخص أدياناً أو أجناساً دون آخرين «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ».. ومن أبجديات هذا التكريم عصمة دمه وماله وعرضه وصون كرامته.
■ وفكرة أن غير المسلم أو الكافر مستباح الدم هى فكرة ساذجة لا أصل لها فى كتاب ولا سنة ولا أفعال الصحابة.. فقد عاش رسول الله «ص» بين عشرات الآلاف من الكفار والمشركين ولم يبح يوماً دماءهم أو ذبحهم.. وحينما جاهد كان قائداً لجيشه دفاعاً عن دولته ومحارباً الجيوش التى تحاربه «وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ»، فالعلة فى القتال هى المقاتلة والعدوان وليست اختلاف الدين أو المذهب.. وكانت رسالته للناس«لأتمم مكارم الأخلاق» وليس لأتمم ذبح الناس.
■ إن مما يؤسف له أن معظم تفجيرات القاعدة وداعش تصيب المدنيين العزل الذين لا ناقة لهم ولا جمل بصراعات السياسة.
■ إن معظم الذين قاموا بأحداث 11 سبتمبر وتفجيرات 13 نوفمبر بباريس لم يفكروا يوماً فى سنة الإسلام والمسلمين فى ديار غيرهم.. تلك السنة التى دشنها الصحابة الأجلاء الذين ذهبوا إلى ملك الحبشة النجاشى يلجأون إليه ويحتمون به من بطش قريش فأحسن وفادتهم وأعطاهم الأمان فقابلوا أمانه وأمان دولته بأمان أكبر ووفاء أعظم.
■ فهل قام أحد منهم بقتل «حبشى» أو الإخلال بقوانين هذه البلاد المسيحية أو تفجير حاناتهم ومسارحهم ودور لهوهم ولعبهم.
■ لن يعطيك أحد الأمان دون مقابل وأقل مقابل هو رد الأمان والسلام بمثله.. فإن رغبت عن هذه البلاد أو لم يعجبك العيش فيها فاتركها لأهلها وعد أدراجك لبلادك فلا تؤذيهم ولا يؤذونك.
■ فـ«الفيزا» أو تصريح الدخول هو بمثابة عقد أمان شرعى وقانونى وأخلاقى لعقود الأمان التى تحدث عنها الفقهاء الأوائل.. وتعنى فيما تعنى أن الجانبين يتبادلان الأمان سوياً.