بينما كان هناك من رأى وتابع وقام بالتحليل أو التعليق على مباراة مصر وتشاد أمس الأول وحافظ هؤلاء على القدر اللازم من الحكمة والوقار واحترام الحقائق والظروف والتفاصيل.. كان هناك فى المقابل كثيرون لم يكترثوا بأى منطق ولم يحترموا أى حقائق وأحالوا فوز مصر على تشاد بأربعة أهداف إلى انتصار تاريخى.. ولم يلتفت هؤلاء وسط مبالغاتهم الفجة إلى أن منتخب تشاد جاء من بلاده بالطائرة مباشرة إلى استاد برج العرب، وبدأ المباراة ولاعبوه مرهقون وجائعون وحائرون وغاضبون من اتحاد الكرة فى بلادهم وخائفون من رئيس تشاد الذى أمرهم بالسفر إلى القاهرة.. ظروف ليست طبيعية على الإطلاق كروياً وإنسانياً ولا تصنع فريقاً يصبح الفوز عليه بأى نتيجة مقياساً صادقاً وحقيقياً لأى شىء.. ولست بالتأكيد أريد أو حتى أحاول تقليل قيمة الفوز.. لكننى فقط أرفض التهويل والمبالغة وعشوائية ردود أفعالنا.. تلك العشوائية التى جعلتنا نحيل الفوز على تشاد كرويا إلى انتصار تاريخى.. وهى أيضا العشوائية التى دفعت برئيس حكومة مصر لعقد اجتماع رسمى لحكومته فى شرم الشيخ.. ولا أعرف من كان صاحب فكرة اجتماع الحكومة فى شرم الشيخ ولماذا قبلت الحكومة ورئيسها ذلك.. لكننى أعرف أنها كانت وستبقى فكرة خاطئة للغاية وشديدة الغرابة والسذاجة أيضا.. والرد الذى أتوقعه وأنتظره هو أن حكومتنا الرشيدة عقدت اجتماعها الرسمى فى شرم الشيخ تضامناً معها.. لكننى لا أعرف ضد من بالتحديد تضامنت حكومتنا مع شرم الشيخ وهل هذا الاجتماع هو الذى سيثبت للعالم أن مطاراتنا آمنة ويأتى السائحون من جديد بعدما رأوا وزراءنا ورئيسهم يجتمعون فى شرم الشيخ.. أعرف أيضا أن إعلام العالم حولنا لم يحفل أو يهتم أصلاً بكل تلك الحماقات التى جرت فى شرم الشيخ مؤخرا ورحلات الفنانين والإعلاميين والقضاة وأساتذة الجامعات تحت دعوى التضامن مع شرم الشيخ.. لكن سيتابع هذا العالم قرار الحكومة المصرية بعقد اجتماعها الرسمى هناك باعتباره خبراً استثنائياً وكأننا نود فقط تذكير العالم كله وتنبيهه إلى أن لدينا أزمة وكارثة.. فحكومات العالم لا تجتمع إلا فى عواصم بلدانها ولا تهجر مقارها الرسمية وعواصمها.. كما أن هذا الانتقال العشوائى لا يعنى فى نظر الآخرين حولنا إلا الارتباك والضعف.. ولو تغير مكان انفجارات باريس إلى مارسيليا مثلا فلم تكن الحكومة الفرنسية ستنتقل من باريس لتجتمع فى مارسيليا، لكن ممكن فقط أن يذهب الرئيس الفرنسى إلى هناك فى زيارة متابعة واطمئنان.. ومن الواضح أن رئيس حكومتنا لا يعرف قدر حكومة مصر ومكانتها.. من الواضح أيضا أن مصر كلها باتت تحتاج دروساً فى التسويق والدعاية على الأقل لتتخلى عن العشوائية والمبالغة فى كل شىء.