x

اخبار إصلاح التعليم: فرصة ذهبية لبناء رصيد سياسى جديد اخبار الثلاثاء 17-11-2015 22:11


شريف الديوانى

إصلاح منظومة التعليم فى مصر هو أولوية مصيرية لها عائد سياسى مباشر وكبير، فالإصلاح المنشود يعالج خللا هيكليا عميقا فى أداء خدمة التعليم الحكومى والخاص، وهى خدمة تمس ما يزيد على 20 مليون طالب وطالبة فى التعليم الأساسى، و2.5 مليون شاب وشابة فى التعليم العالى والفنى. يتمثل هذا الخلل فى تردى مستوى الجودة وانخفاض فى كفاءة تخطيط وإدارة الإنفاق العام فى قطاع التعليم، وعدم وصول خدمته المجانية إلى الفئات الفقيرة التى تجد نفسها فى فخ بين الفقر والأمية، وعرضة لمخاطر اجتماعية واقتصادية وأمنية، ذلك الخلل الذى إذا تم علاجه سوف يعضد ثقة فئات كبيرة من المواطنين المصريين فى قدرة الدولة على خدمة المواطنين ويوثق إيمان تلك الفئات بجدية الإصلاح ويبعث الأمل فى القدرة الوطنية على الإنجاز، وفضلا عن ذلك فإن إصلاح التعليم له أيضا عائدان اقتصادى واجتماعى مهمان للمجتمع فى المديين المتوسط والطويل، فالتعليم الجيد يؤدى إلى تحسين القدرة التنافسية ودفع النمو الاقتصادى من ناحية، ويحقق عدالة اجتماعية تتيح للشباب فرص التقدم والارتقاء الاقتصادى والاجتماعى والعلمى من ناحية أخرى.

إصلاح التعليم فى مصر ظل على أجندة النقاش العام سنوات طوالا ولايزال، وهو ليس قضية جديدة، والإصلاحات معروفة، وكذا وسائل تنفيذها وإن كان الأمر يتطلب إصلاحات جريئة إلا أنه ومن حسن الحظ أنها واضحة وجلية لدى المعنيين بالإصلاح، فملف إصلاح التعليم مثله مثل العديد من ملفات الدعم السلعى والخدمى قد تمخضت عن منظومة عميقة وعقيمة من الأساليب والمصالح التى يحول أصحابها دون التغيير والإصلاح، وفى الواقع فإن أصحاب هذه المصالح عددهم محدود، وهم من فئات معينة من المجتمع، لكنها منظمة ولها إمكانيات مالية تمكنها من التصدى للإصلاح والتعبئة لإحباطه، وعلى العكس فالمستفيدون من الإصلاح أعدادهم كبيرة ومن فئات واسعة من المواطنين لكنهم يفتقدون القيادة والتنسيق، وفى كثير من الأحيان يصيبهم الإحباط فيتخلون عن عقيدة الإصلاح ويفضلون عليها التأقلم مع المشاكل وتدبير الموارد المالية بأى أسلوب ممكن لتوفير أحسن فرص لأبنائهم، وعلى سبيل المثال نجد عددا من المعلمين لا تتجاوز نسبتهم 40٪ من إجمالى عدد المعلمين يشتغلون بالدروس الخصوصية لزيادة دخولهم، ومنهم نسبة أقل لا تتجاوز 5٪ من المعلمين تضخمت مواردهم وسيطروا على سوق الدروس الخصوصية وغالبا ما تكون لهم مهارات جيدة فى التدريس بالأساليب التقليدية، ولكن يدفعهم تشوه الحوافز والروادع فى منظومة التعليم إلى احتراف الدروس الخصوصية حتى أصبحوا هم أنفسهم حافزا ومثلا أعلى يتطلع إليه المعلمون الآخرون، الأمر الذى نجده مقترنا بفقدان أولياء الأمور الثقة فى قدرة المجتمع والدولة على إصلاح هذه الاختلالات الخطيرة التى أدت إلى شبه انهيار كامل فى العملية التعليمية.

من ناحية أخرى، نجد أن برامج ومشروعات تطوير التعليم فى مصر التى جرى تنفيذها فى الماضى هى عبارة عن تجارب ومشروعات رائدة نجح الكثير منها وفشل بعضها، ولكنها كلها كانت جهودا جزئية لا تتعامل مع الاختلالات الهيكلية التى تعصف بمنظومة التعليم فى البلاد، وعلى رأسها انخفاض كفاءة الإنفاق العام وتشوه نظام تحفيز وردع المعلمين وأولياء الأمور، وضعف نظام حوكمة العملية التعليمية، سواء مركزيا أو فى المحليات، مما يحول دون تحقيق تقدم موضوعى فى تطوير مخرجات التعليم وقياسها، إلى جانب تعقد القوانين واللوائح والسياسات التى تنظم مساهمة القطاع الخاص فى توفير خدمة التعليم حتى أصبحت معوقة لدرجة لا يمكن التعامل معها إلا من خلال أساليب غير رسمية لا يقدر عليها إلا فئة صغيرة تحترف التعامل مع البيروقراطية وليس بالضرورة لخدمة التعليم مما يفرغ معظم وليس كل الاستثمار الخاص فى التعليم من المهنية والهدف التعليمى ويسىء إلى سمعة القطاع الخاص المشتغل بالتعليم ويفقده ثقة المجتمع.

والجدير بالذكر فى هذا المقام- مع التحفظ الواجب، حيث إن الأمور لا تحتمل التبسيط- أن التحدى الأكبر فى إصلاح التعليم هو فقدان عزيمة المواطنين لإنفاذ التغيير والإصلاح، وقد أوضحت الدراسات الميدانية أن 92٪ من أولياء الأمور الذين لديهم أطفال فى المدارس الحكومية المصرية لا يتوقعون أن أجهزة الدولة قادرة على علاج مشكلة الدروس الخصوصية، وبالتالى ظلت الأقلية من أصحاب المصالح الذين أشرنا إليهم صاحبة سطوة فى الدفاع عن القائم وإبقاء الأمور على ما هى عليه، ولها اليد العليا فى تقرير وانتقاء وسائل التدخل والإصلاح، والتى بالطبع لا تحقق المصلحة العامة لأغلبية المواطنين.

يتضح مما سبق أن هناك ضرورة ملحة إلى قيادة التغيير والإصلاح لمنظومة التعليم من أعلى قيادة سياسية فى الدولة لتكليف جميع الأطراف المعنية بالتعليم بالعمل على التغيير وإصلاح الأساليب ومراجعة الأدوار، ومن هذا المنطلق فمن الأهمية البالغة إعلان أهداف استراتيجية ووسائل محددة للإصلاح تعيد الثقة فى قدرة أجهزة الدولة على تقديم خدمة تعليمية جيدة تتاح لكل الطلبة من جميع شرائح الدخل دون تمييز، كما يجب أن يصبح واضحا أن هناك عزيمة سياسية جادة ومستدامة لإعادة مقاليد الأمور إلى أصحاب المصلحة الأصليين وهم أولياء الأمور والطلبة والمعلمون المخلصون ومديرو المدارس المؤهلون، وذلك من خلال تصحيح نظم حوكمة العملية التعليمية وتفعيل المساءلة والشفافية وردع الفساد، والذى يتطلب مراجعة أدوار كل طرف معنى بالعملية التعليمية، كما يكون من الأهمية أن تدعم الإرادة السياسية مواجهة الحقائق الصعبة والتعامل معها برؤية تقدمية ومبتكرة، فعلى سبيل المثال لابد من التيقن من أن الوسائل الحالية لتوفير تعليم أساسى مجانى لمستحقيه غير مجدية بل فاشلة، ولابد من مراجعة تلك الوسائل.

كما أن من الحكمة أيضا أن ننظر فى كفاءة الإنفاق العام على التعليم، حيث نستطيع تحقيق نتائج أحسن دون اللجوء إلى زيادات فى الإنفاق فى مرحلة اقتصادية انتقالية قد لا تسمح بزيادات كبيرة فى معدلات الإنفاق على التعليم فى المدى القصير وربما المتوسط، فعلى سبيل المثال تتكبد الدولة سنويا تكلفة باهظة فى صورة فاقد يساوى 22٪ تقريبا من الإنفاق العام على التعليم نتيجة الرسوب والتسرب، وتقدر قيمة هذا الفاقد بحوالى 10 مليارات جنيه عام 2012/13. من جانب آخر فإن الإنفاق على تدريب المعلمين وتطوير المناهج ضئيل إلى درجة خطيرة، حيث متوسط الإنفاق على تطوير المعلم فى العام 2012/13 كان 19.7 جنيه لكل معلم خلال العام، كان يمكن زيادته 400 مرة إذا تم خفض معدلات الرسوب والتسرب إلى النصف.

* مدير المركز المصرى للبحوث الاقتصادية

- المقال يمثل رأيا شخصيا لمحرره ولا يمثل موقف أو رأى الجهة التى يعمل بها

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية