فجأة امتلأت صفحات التواصل الاجتماعى، أمس الأول، بحكاية مراسل قناة بى إن سبورت، والكلام الذى قاله قبل انطلاق المباراة الودية بين فرنسا وألمانيا.. وأن هناك إجراءات أمنية غير عادية حول استاد دو فرانس.. وتناقل الكثيرون صورة هذا المراسل وعنوان كلامه باعتباره أمراً يدعو للغرابة والشكوك والظنون.. وفى ساعات قليلة اتفق بعض هؤلاء على أن كلام المراسل قبل المباراة دليل واضح ومؤكد على أن الحكاية كلها مجرد مؤامرة متفق عليها.. وأن انفجارات باريس مجرد مسرحية من تأليف وإخراج فرنسا والولايات المتحدة وربما أوروبا الغربية وذلك بقصد تركيع مصر والانتقام منها هى وبقية العرب وأيضا تفتيت سوريا وتبرير وغطاء ما سيقومون به حالياً ومستقبلاً ضد المسلمين والعرب هنا وهناك.. قصة طويلة استندت فقط إلى ما قاله مراسل تليفزيونى قبل مباراة ودية لكرة القدم.. لم يكلف أحد من هؤلاء نفسه بالإنصات لما قاله هذا المراسل قبل أن يبادر بالاستغراب والتساؤل ثم الوصول للاستنتاج وتأكيده.. فهذا المراسل لم يقل أكثر من أن الإجراءات الأمنية المشددة حول الاستاد كانت غير طبيعية وغير مسبوقة أيضا.. وأن سبب هذه الإجراءات إنذار بوجود قنبلة فى الفندق الذى يقيم فيه المنتخب الألمانى فى باريس، مما دفع رجال الأمن الفرنسى لإخلاء الفندق ونقل المنتخب الألمانى إلى أحد المطاعم باختيار وموافقة المدير الفنى الألمانى يواكيم لوف.. وأن البوليس الفرنسى شدد من إجراءاته وزاد عدد رجاله حول الاستاد.. وكان ذلك هو كل ما قاله المراسل الكروى.. فأين إذن حديث المؤامرة والإشارة إلى أن كل ما جرى كان متفقاً عليه مسبقاً
.. ولماذا كل هذا الهوس والولع بالكلام عن المؤامرات والأسرار والشياطين التى تلتقى سرا وتحكم العالم وتخطط طول الوقت للتآمر على مصر.. هل هى نتيجة طبيعية لإلحاح البعض منا وصراخهم الزاعق للإشارة إلى الماسونية ومخاطرها ومجلس إدارة العالم الذى يقرر حتى متى تبدأ الأعاصير أو تحدث الزلازل أو تجرى السيول.. وأعتقد أن حكايتنا مع هذا المراسل الكروى التليفزيونى هى نفسها حكايتنا مع كل شىء آخر.. حيث نجلس طول الوقت فوق الرصيف متخيلين أنهم جميعا هناك لا عمل لهم أو شىء يشغلهم إلا التآمر علينا.. بل وكان هناك من أفتى بأن إسقاط الطائرة الروسية كان عقاباً لروسيا التى تساند مصر.. وتفجيرات باريس كانت عقاباً لفرنسا التى تقف مع مصر وأمدتها بالسلاح والطائرات وحاملة الطائرات أيضا.. أما عقاب مصر نفسها فكان سببه أنها أوقفت وعطلت صفقة بيع سيناء لحماس التى عقدها الرئيس أوباما مع الإخوان المسلمين حين كانوا يحكمون مصر.. والمأساة ليست فيمن يردد هذا الكلام، إنما هى فيمن يصدقون ويقتنعون ويعيدون نقل هذا الهراء بمنتهى الهمة والنشاط والاقتناع.. وأنا مثل كل هؤلاء أحب مصر جدا وأتمناها أهم بلد فى الدنيا وهى التى تحرك أحداثها وجيوشها وتصبح محط أنظارها واهتمامها ومؤامراتها أيضا.. ولكن نفس الحب لمصر هو الذى يدفعنى للوقوف فى وجه هؤلاء راجياً أن يستعيدوا عقولهم ويدركوا الحجم الحقيقى لهم ولبلادهم أيضا.