x

طارق عباس مؤامرات الغرب وسذاجة العرب طارق عباس الجمعة 06-11-2015 21:25


لم يكره الغرب زعيماً عربياً مثل كراهيته لعبدالناصر، لأنه لم يكن مشغولًا إلا بالوحدة العربية، وعاش عمره يناضل من أجل تحقيقها، ولم يكن هناك أخطر على الاستعمار من هذه الوحدة، لأنها إن تمت فستكون للعرب كلمة يستمع إليها وقوة تفرضها ومصالح تدافع عنها وسوق تُغنيها عن سؤال اللئام، لذلك بمجرد ظهور عبدالناصر بمشروعه العروبى واجه مقاومة شرسة من أعداء هذه الوحدة وحاولت تعطيله والقضاء على هيبته بأى ثمن، فإنجلترا وفرنسا وإسرائيل سعت لكسر شوكته بالعدوان على مصر قُرب نهاية عام 1956، والولايات المتحدة حجبت عنه السلاح وامتنعت عن تمويل السد العالى وقطعت معونة القمح، بل عمّقت الصراع العربى، خاصة بعد التدخل العسكرى المصرى إلى جانب الثورة اليمنية فى شهر سبتمبر عام 1962، الأمر الأخطر كان فى التواطؤ على مصر والعرب، مما أدى إلى هزيمة 5 يونيو 1967 واحتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية.

ولا شك فى أن مخاوف الغرب من الوحدة العربية زادت، خاصة إبّان حرب أكتوبر عام 1973 والتى أتاحت لمصر والعرب ولأول مرة اتخاذ قرار المبادأة بالهجوم على إسرائيل عبر الجبهتين المصرية والسورية، ثم تهديد العرب للغرب بوقف تصدير النفط إليه.

هنا أدرك الغرب أن السبيل لإضعاف العرب هو تفتيتهم وإغراقهم فى دوامات من الصراعات السياسية والعرقية والدينية والمذهبية، وكانت أولى الخطوات بتشجيع الغرب للسادات على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 وما نتج عنها من تخريب العلاقات المصرية العربية، ورغم جهود الرئيس المصرى الأسبق مبارك للملمة الصف العربى وإعادة عضوية مصر للجامعة العربية ثم نقلها من مقرها المؤقت فى تونس لمقرها الدائم بالقاهرة عام 1990 إلا أن يد الشر عبثت برأس صدام، رئيس العراق فى ذلك الوقت، وشجعته على مهاجمة الكويت واحتلالها بداية من 2 أغسطس عام 1990 وفى الوقت نفسه سمحت دول الخليج- خوفاً من أن يبتلعها صدام- ببناء قواعد عسكرية أمريكية هناك ليصبح فى الشارع العربى الرسمى والشعبى مناصرون لصدام ومناصرون للكويت ورافضون للتدخل الأمريكى ومؤيدون له.

فتحت هذه الصراعات شهية الغرب للاستمرار فى تقسيم الدول العربية وتوسيع الشُّقة بينها، لتغرق المنطقة العربية كلها فى الفوضى ويبقى أهلها دائماً ضعفاء فى انتظار لمنح الغرب وعطاياه، لا يتبعهم أحد بل يتبعون أى أحد، لا يبحثون عن مصير مشترك، بل يضيعون كل ما هو مشترك، يموتون كل يوم دفاعاً عن مصالح من يميتهم، ويعيشون توترات وصراعات لم تسقط فيها دول غيرهم، عند العرب تجد القاعدة وداعش وأنصار السنة وأنصار بيت المقدس وأنصار أى حاجة وغيرها من الجماعات التى لا تقتل سوى العرب والمسلمين، فهل هناك فى أمريكا من يفجر نفسه بين أهله وناسه بحجة أنهم كفار؟ هل هناك مسيحى فرنسى رفع السلاح فى وجه أخيه الفرنسى على أساس مذهبى؟ هل هناك فى ألمانيا من يتظاهر فى الجامعات التى يتعلم فيها ويحرق أثاثها ويعتدى على أساتذتها ويكتب على جدرانها عبارات مسيئة للشرطة أو للجيش الألمانيين؟

إذاً أزمة العرب فى العرب قبل أن تكون فيمن يريد النيل من العرب، أزمة العرب فى أنهم لا يحترمون أنفسهم ولا يخافون على مصالحهم ولا يعون حجم المخاطر التى تحاوطهم، ويحوّلون دائماً اختلافاتهم إلى خلافات لا تعود بالنفع إلا على أعدائهم، أزمة العرب لن تنتهى إلا إذا أدرك العرب أنفسهم أنهم عرب، مصيرهم واحد ولغتهم واحدة، وعدوهم واحد وهدفهم واحد، ونجاتهم غير ممكنة إلا بكيان واحد، وتحت مظلة واحدة اسمها الوحدة العربية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية