x

طارق الشناوي عنف ودعارة وفتاوى الشيخ حسان فى «حى مستغنام» طارق الشناوي الأحد 15-11-2015 21:33


لقطة موحية استطاعت أن تُكثف الحالة التى يقدمها المخرج مرزاق علواش عندما نرى بطل الفيلم ملقى فى غيبوبة على الأرض بجوار النفايات، بينما تُلقى حبيبته المحجبة والتى لا تزال طالبة فى المدرسة الثانوية نظرة إليه تجمع بين الإشفاق والازدراء. لقطة أخرى قبل النهاية تقربك أكثر من هذا الإنسان البوهيمى وأيضا من روح الفيلم عندما يمسك بالصواريخ المضيئة ويجرى بها تحت بيت حبيبته لكى يلفت نظرها إليه ولا تملك سوى أن تبتسم لهذا الفعل المجنون، الذى يعرضه للموت.

لا صوت يعلو على صوت الدعارة والعنف والمغلف بحالة الصدق التى تنضح على كل التفاصيل، الأم التى أنجبت فتاة تعمل بالدعارة وشابا ضائعا دائما ما تطرده خارج البيت وتدعى عليه، إلا أن هذا لم يمنعها من أن تلقى بزغرودة قبل نهاية الأحداث عندما يُحضر لأمه كيسا به لحم يستحق بعد طول غياب أن تستقبله بالرقص والزغاريد.

هذه الأم التى لا تكف عن الاستماع إلى تسجيلات الداعية المصرى السلفى محمد حسان بفتواه الرجعية التى تخاصم عمق الدين والتى نراها عابرة للحدود ولكنها تسكن مشاعر البسطاء حتى أنها وصلت إلى «الجزائر» بلد المليون ونصف مليون شهيد، والتى عاشت فى التسعينيات «عشرية سوداء» عشر سنوات من التطرف الدينى الذى يحمل السلاح ويزهق الأرواح.

الواقع كان وسيظل مادة خصبة للسينمائى وهكذا وقع اختيار المخرج علواش مع الكاتبة بهية علواش،على ضاحية مستغنام على أطراف العاصمة لتصبح مسرحا للحدث الرئيس فى الفيلم، الشاب الضائع «عمر» بطل الفيلم الذى أدى دوره عدلان جميل أتصوره لا يمثل ربما كانت تجربته الأولى فهو يؤدى دور هذا الشاب العشوائى المدمن الخارج دائما ليس فقط عن القانون ولكن أيضا عن الوعى والإدراك بسبب التعاطى الدائم لحبوب صارت تشكل خطرا اجتماعيا فى الجزائر لرخص ثمنها ومنها استمد الفيلم عنوانه «مدام كوراج» فهى تشبه أقراص «الترامادول» فى مصر والتى تحولت إلى تجارة تُدر الملايين وتحميها «مافيا» ويتواطأ فيها كثر لترويجها بينما تعجز الدولة عن المواجهة، لسنا أمام فيلم ينطبق عليه قانون الحبكة الدرامية بمعناها التقليدى بداية ووسط ونهاية وأحداث متعددة لجذب الجمهور، ولكن هناك ملمح من الممكن أن يقترب فيه المخرج من روح السينما التسجيلية.

مرزاق يعد واحدا من أكثر المخرجين العرب غزارة وأيضا تواجدا فى المهرجانات العالمية والعربية ودائما ما تثير أفلامه الجدل الذى يصل إلى مشارف الغضب والاستهجان، فهو متهم بل ومدان عند قطاع وافر من الصحفيين بل الإعلام الجزائرى أنه يبيع البلد من أجل الحصول على دعم مالى من شركات الإنتاج الأجنبية عندما يتناول الأحياء العشوائية وما يجرى فيها، وهى كما ترى لا تفرق كثيرا عن الاتهام الذى يتعرض له أى مخرج مصرى يقترب من الإمساك بالحقيقة، مرزاق علواش 71 عاما، لا يتوقف عن المشاغبة وهو يقتحم الأحراش الملبدة بالمسكون والمسكوت عنه تحت الأرض، وأيضا يحمل دائما الشريط وعدا بالعثور على سر وسحر السينما، أتابع أفلام مرزاق على مدى ثلاثة عقود من الزمان خارج الحدود وربما كانت هذه المرة استثنائية وهى أن أشاهد فيلمه الأخير «مدام كوراج» فى القاهرة قبل «كان» أو «فينيسيا» و«برلين» و«دبى» و«الدوحة» و«أبوظبى» وغيرها، فهو دائما محط الاهتمام من المهرجانات، وتستطيع أن ترى أفلامه التى يجمعها هذا الخيط مثل «باب الواد سيتى» و«السطوح» و«نورمال» و«مرحبا يا بن العم» و«حراقة»، عينه تلتقط معاناة الشباب سواء الذى ارتضى بالإقامة فى البلد أو حلم بالهجرة خارج الحدود، حيث دائما العذاب والهوان هو ما يلاقيه داخل وخارج الوطن، الفيلم الذى أشار بقوة إلى موهبة المخرج فى البدايات «عمر قتلته الرجولة» يضع دائما الإنسان الجزائرى فى البؤرة وتكتشف دائما أن الهمّ واحد مهما تعددت الأماكن وتباينت الأسباب، الفيلم لن يقدم كل الإجابات سيترك لك دائما شيئا تضيفه فهو أقرب إلى صورة أو «بورتريه» لشاب ضائع ضحية نظام لم يقُم بدوره لحماية المجتمع لا أمنيا ولا اقتصاديا، ولهذا ومع غياب الخطاب الدينى لا أقول المعتدل ولكن المنصف لحقيقة الإسلام، ولهذا يُصبح ضحية رجل دين جاء إليه من خارج الحدود بصوته ولهجته المصرية وكل فتواه الرجعية، الفيلم فى بنائه قائم على أن يرسل لك تلك الومضات وعليك أنت أن تُكمل باقى التفاصيل.

«خارج النص»

ما تفعله بنا روسيا من ضربات غير متوقعة فوق وتحت الحزام وما تفعله على المقابل الدبلوماسية المصرية من خنوع يذكرنى بأغنية عبدالوهاب «علشان الشوك اللى فى الورد بحب الورد» أو «أحبه مهما أشوف منه» اختر أنت الإجابة أقصد الأغنية الصحيحة!.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية