x

طارق الغزالي حرب لا العدل موجود.. ولا الأمن مُستتب! طارق الغزالي حرب الأحد 15-11-2015 21:34


منذ عدة أيام وفى عموده اليومى، ذكًرنا الكاتب المتميز والمثقف التقدمى الشجاع د. خالد منتصر بقصة قصيرة لأديب مصر العظيم نجيب محفوظ بعنوان «الجريمة» وسرد لنا جزءاً من نهايتها فى صورة حوار بين بطل القصة وأحد ضباط الشرطة، جاء فيه عندما سأل المواطن الضابط: هل تحفظ الأمن بإهدار العدالة؟ فأجابه: وربما بإهدار جميع القيم، وهنا تطلع إليه البطل وقال ساخراً: إذن سأكتب أن جميع القيم مُهدرة ولكن الأمن مُستتب! توقفت كثيراً أمام هذا الحوار الذى ذكًرنا به العزيز د. خالد، وجعلنى أتأمل وأنظر حولى فى الواقع الذى نعيشه منذ الانتفاضة الشعبية الكبرى فى 30 يونيو ضد حكم عصابة الإخوان، لتصحيح مسار ثورة 25 يناير الذى انحرف عن أهدافه بركوب الجماعات الضالة المتأسلمة للموجة الثورية الشعبية.. صار تحقيق الأمن والاستقرار ومجابهة ما سموه «الإرهاب» بالقوة المسلحة والإجراءات الأمنية المُشددة أساساً هو الهدف والمُبتغى، ولو على حساب إهدار المبادئ والقيم الإنسانية السامية وعلى رأسها العدل وسيادة القانون. السؤال المهم هنا: وهل نجحنا فى استعادة الأمن والحياة الطبيعية بعد ما يقرب من ثلاثة أعوام، نحينا فيهم العدالة جانباً فى أحيان كثيرة، وفصلنا قوانين لأهداف محددة أحياناً أخرى، ووضعنا فى السجون عشرات الآلاف فيهم الكثير من الأبرياء والشباب الحائر والمُغرر به؟ أكاد أجزم بأن قدراً كبيراً من الأمن والأمان الحقيقى لم يحدث، وأن كل ما وصلنا إليه هو حالة من الاستقرار الزائف، يخفى تحته ما يخفى من تذمر وتململ ومشاعر مكبوته بالظلم والقهر. الأمثلة التى تؤيد وجهات نظر عديدة أطرح منها على سبيل المثال لا الحصر: إذا تجولت فى شوارع القاهره الكبرى فإن الحواجز الخرسانية الضخمة مازالت فى أماكنها منذ سنوات حول المنشآت العسكرية والشرطية والأقسام والسفارات مع غلق الكثير من الشوارع حولها، مما يعوق سيولة المرور والحركة بطريقة كبيرة فى مدينة مُختنقة أصلاً، ولا يبدو فى الأفق نهاية لهذا الوضع الذى ظنناه مؤقتاً.. والسلطات الأمنية لا تأمن حتى اليوم حضور جماهير لمباراة فى كرة القدم، وترفض ذلك بشدة وتتهرب من تنظيم أى بطولة رياضية لشعورها بعدم استتاب الأمن وعدم ثقتها فى تجاوب الشباب معها.. المواطن المصرى الذى يتعرض لأى حادث جنائى أو الاعتداء عليه أو على حقوقه يشعر أكثر من أى وقت مضى، بأنه لن يجد من يحميه ويقف معه أو أن هناك من سيهتم بشكواه فى أقسام الشرطة بصورة جدية، لذلك فإنه يجد النصيحة دائما بألا يضيع وقته فى عمل محضر بالشرطة لن يجدى شيئاً، فإما تأخذ حقك بيدك أو تسلم أمرك لله لأن رجال الشرطة مشغولون بما هو أهم من وجهة نظرهم.. دائرة الاشتباه والتوقيف والمنع من السفر فى تزايد مستمر، والتدخل الأمنى باشتراط موافقته على كل شىء بدءاً بالتوظيف مرورا بالسماح بالسفر وانتهاءً بدخول الانتخابات، أمر لايدل بأى صورة من الصور على استتاب الأمن وعودة الحياة الطبيعية.. فوضى المرور بشكل لم يسبق له مثيل وانتشار البلطجة والبلطجية فى كل شارع وحارة مع انتشار كافة أنواع الأسلحة البيضاء والنارية، فى ظل غياب لا تخطئه العين لرجال الأمن والمرور وابتعادهم شبه المُتعمد عن التدخل لفرض الأمن والنظام ربما إيثاراً للسلامه أو للإنشغال بما يرونه أهم..أنباء عن عبوات متفجره فى أماكن متفرقه كل حين، ومظاهرات مؤيده للإخوان هنا وهناك فى أماكن متفرقه بالوطن، صحيح أنها أقل مما كانت فى أعوام مضت، إلا أنها للأسف مازالت موجوده ولا يبدو فى الأفق نهاية لها على الرغم من الزج بعشرات الألوف فى السجون واستمرار عمليات القبض والمداهمه بل والقتل أحياناً. خلاصة القول أنه لا العدل موجود ولا التطبيق الأمين والنظيف للقانون موجود ولا الأمن استتب!

الجديد فى الأمر أن تجاوزات الأمن وانتهاك القانون والعدالة أخذ ينحى مُنحنى خطيرا فى الفترة الأخيرة، مثل زيادة حالات الاختفاء القسرى وتصفية المتهمين بديلا عن القبض عليهم.. ولربما كان أكثر هذه التجاوزات فجاجة وتحدٍ لكل الأعراف والأخلاق طريقة القبض على رجل الأعمال المحترم مؤسس «المصرى اليوم» المهندس صلاح دياب ونجله، وكذلك القبض على الصحفى حسام بهجت وتقديمه للمساءلة أمام النيابة العسكرية بسبب كتاباته.. لقد تسببت هاتين الواقعتين فى إحداث صدمة كبيرة لملايين الشرفاء والأحرار فى هذا البلد الذى تصور أبناؤه أنهم بتضحياتهم العظيمة فى 25 يناير قد وضعوا حداً لهذه الممارسات القمعية، كما أثارتا استنكاراً دولياً واسعاً وتأثيرات سلبية على الاقتصاد المصرى مثلما حدث فى البورصة من انهيار وخسائر.. فهل كان غرض من فكر ودبر وخطط لهذه الأفعال المُتهورة هو تحقيق الأمن؟ وإذا كان كذلك. ها أنا أكتب بكل يقين: لقد أهدرتم كل القيم، ومازال الأمن غير مستتب!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية