ظهرت الصحف الفرنسية اليوم السبت وهى تتشح بالسواد وتتسم بالحزن والمخاوف، نقلت عناوين الصفحات الأولى مشاعر الفرنسيين تجاه سلسلة الضربات الإرهابية التي ضربت العاصمة الفرنسية مساء أمس الجمعة ،كان مانشيت الصفحة الأولى لجريدة لوسوار: الجمعة السوداء، لو باريسيان: أنها الحرب هذه المرة، وجريدة لوكيب الرياضية: الرعب، لوفيجارو :الحرب في قلب باريس، لوموند: الإرهاب في باريس، ليبراسيون :المذبحة في باريس، العناوين متقاربة وكلها تقطر ألما وخوفا وذعرا على باريس عاصمة النور والحرية،ست هجمات إرهابية في توقيت واحد أشاعت الفوضى والذعر في قلوب الباريسين، وجعلت أوروبا تنتفض وليس فرنسا فقط، فالكل يدرك ان ما حدث في باريس أمس ليس ببعيد عن أي عاصمة أوروبية أخرى، الإرهاب أصبح كالوباء سريع الانتشار.
هجمات باريس أعادت للأذهان هجمات 11 سبتمبر عام 2001 والتى كانت بداية الحرب التي شنتها أمريكا على الإرهاب، وكانت من تداعياتها غزو العراق وماتلاه من توسع لرقعة الإرهاب ونشوء داعش التي تعد وريث القاعدة التي اتهمت بأنها المنفذة لهجمات 11 سبتمبر، هذه المرة أعلنت داعش صراحة أنها وراء هذه الفوضى العارمة التي حدثت في باريس، وهذا ردها على اشتراك فرنسا في التحالف الدولي لمحاربة داعش والضربات التي توجهها للتنظيم.
بعد أحداث 11سبتمبر ،عمت مشاعر الشماتة في أمريكا، الغطرسة والهيمنة الأمريكية وانفرادها بقيادة العالم كانت من العوامل التي جعلت معظم شعوب العالم لا تتعاطف مع انهيار برجى التجارة الذي كان يمثل التعالي الأمريكي، وتساءل الشعب الأمريكي حينذاك :لماذا يكرهنا العالم؟؟ حاول العقلاء ان يجيبوا ويحللوا الأمر ولكن الصقور الأمريكية كان ردها سريعا وعنيفا ،وجعلت العالم كله يدفع ثمن هذه الاعتداءات ،فتحت صندوق باندورا لتخرج اللعنات ويتوحش الإرهاب بدلا من محاصرته، وأصبح تاريخ 11 سبتمبر بداية تغيرات كبيرة شملت مناطق كثيرة من العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط الذي عمت فيه الفوضى والإرهاب.
الأمر مختلف مع هجمات باريس الإرهابية والتى استخدمت فيها الأحزمة الناسفة وطلقات النار بوجه مكشوف وبشكل عشوائي، الأمرليس شأنا فرنسيا كماكان الحال بالنسبة لأمريكا ولكنه شأن أوروبي، شرق أوسطى وعالمي، لا مكان للشماتة من فرنسا، فهي وان كانت من دول الصف الأول الأوروبية إلا أنها تعانى من مشاكل اقتصادية وتراجع في المكانة العالمية، لكنها مازالت تمثل قيم الحرية والمساواة والإخاء.
الجمعة 13 نوفمبر 20015، سيكون تاريخ بداية تغيرات كثيرة وجذرية في نظرة أوروبا تجاه العديد من الملفات الشائكة والتي كانت هناك انقسام في الآراء حولها، مثل ملف المهاجرين السوريين، وواجب أوروبا الأخلاقي تجاههم، كان هناك معسكريين في أوروبا تجاه هذا الأمر بين مؤيد وعارض، وتغلب الصوت المؤيد الزى قادته ألمانيا ميركل، ولكن في الآونة الأخيرة وجدنا تراجعا من ألمانيا ومحاولة ميركل ان تصل مع تركيا إلى اتفاق يجعل من تلك الأخيرة سدا يمنع عن أوروبا تدفق هؤلاء المهاجرين مقابل مزايا تنتظرها تركيا منذ زمن، الآن الصوت الغالب سيكون ضد أي تواجد عربي في أوروبا.
بعد هذه الهجمات الإرهابية الغاشمة، ستجد أوروبا نفسها في موقف المدافع عن نفسه وحياته وهويته ومن حقها أن تبعد عن نفسها أي مخاطر محتملة قد تأتى من الأبواب المفتوحة للمهاجرين.
إعلان الرئيس الفرنسي اولاند الطوارئ، سيتبعه إجراءات أخرى ستطول العرب بالتأكيد كما حدث في 11 سبتمبر، وسيتعرض الكثير منهم لقوانين الطوارئ التي تسمح بمداهمة المنازل وتفتيشها في حالة الاشتباه، وتقيد الحريات وتعتقل المشتبه فيهم وتضع آخرين تحت الإقامة الجبرية، وبالتأكيد سيكون هناك توسع في التجسس على المواطنين واتصالاتهم وسيكون المواطنين من أصول عربية على رأس القائمة، كما سيتم وضع المزيد من القيود الاحترازية على دخول العرب والمسلمون لأوروبا، ولعل التصريح الذي أدلت به ميركل والذي عبرت فيه عن صدمتها لما حدث في باريس وعزمها للتصدي للدفاع عن القيم الأوروبية ،خير دليل على ذلك، أوروبا في خطر سيكون شعار الفترة المقبلة.
الرئيس الفرنسي أكد أنه سيحارب الإرهاب بكل قوة مع الالتزام بالقانون، لكن في مثل هذه الأوقات العصيبة يكون قانون الغوغاء هو الغالب ،وهو يتخذ من الخوف والرعب دافعا للانتقام من الآخر.