فى طريق عودته من الرياض، عصر الأربعاء الماضى، حيث شارك فى أعمال القمة الرابعة للدول العربية ودول أمريكا اللاتينية، توقف الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مطار شرم الشيخ ليطمئن بنفسه على أن الإجراءات المتبعة فى المطار تطبق جميع المعايير الأمنية وفقاً لما هو معمول به دولياً، وتحرص على المتابعة الدورية التى تضمن سلامة وأمن حركة السفر والمسافرين، وتعمل على تعزيز هذه الإجراءات لتوفير أقصى معايير الأمن والأمان للسائحين ولزوار مدينة شرم الشيخ.
وفضلاً عن أن ظهور الرئيس السيسى بنفسه فى مطار شرم الشيخ، واختلاطه بالسائحين الذين كانوا يزاحمونه، كان ينطوى فى حد ذاته على رسالة تدعو للاطمئنان على أن الأمور فى المدينة تسير فى مجراها الطبيعى، فإن التصريحات التى أدلى بها أثناء هذه الجولة حملت رسائل محددة، أراد الرئيس بها أن يبدد أجواء القلق والتوتر التى ترتبت على أحداث الأسبوعين الأخيرين، وشملت سلسلة من الكوارث البيئية والأمنية والاقتصادية والسياسية، من السيول التى دهمت محافظتى الإسكندرية والبحيرة إلى سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، ومن سحب السائحين البريطانيين والروس من شرم الشيخ، إلى مقاطعة شركات الطيران فى دول أخرى لمطارها، ومن الحملة الإعلامية التى شنتها صحف الغرب ضد الأوضاع الأمنية فى المطارات المصرية، إلى تقلب سعر الدولار، ومن الطريقة الفظة وغير المبررة التى جرى بها القبض على رجلى الأعمال صلاح وتوفيق دياب، إلى تقديم الصحفى حسام بهجت إلى النيابة العسكرية بسبب تقرير قام بنشره، وهى وقائع تتالت بشكل لا يخلو من العشوائية، أحدث ردود أفعال سلبية، انعكست على التعامل فى البورصة، وأربكت سوق الاستثمار، ووصلت إلى حد صدور بيان حاد اللهجة من الأمين العام للأمم المتحدة، ردت عليه وزارة الخارجية المصرية ببيان لا يقل عنه حدة، ورفعت من درجة القلق والتوتر فى المجتمع.
رسائل الرئيس السيسى التى أطلقها من شرم الشيخ تستند إلى محور أساسى، هو أن من وصفهم بـ«أهل الشر» يحاولون عرقلة ما حققته مصر من نجاح، وأن هناك تناسباً طردياً بين نسبة ما يتحقق من هذا النجاح ونسبة ما يبذله هؤلاء الأشرار من ضغوط، وأن الاصطفاف الوطنى هو الشىء الوحيد الذى يُمكّن الشعب المصرى من التصدى لشرورهم التى لا حد ولا نهاية لها، وهى نقطة انطلاق صحيحة يعرفها المصريون بحكم أنهم الذين حققوا هذا النجاح حين خرجت جموعهم فى 30 يونيو 2013 تستنقذ بلادهم من براثن هؤلاء الأشرار الذين أرادوا أن يعيدوا عجلة التاريخ قروناً إلى الوراء، وهو الذى جعلهم يدركون أن أهل الشر وحلفاءهم هم الذين يقفون - قبل أن تظهر نتائج التحقيق - وراء إلقاء تبعة سقوط الطائرة الروسية على اختراق إجراءات الأمن فى مطار شرم الشيخ، بهدف تدمير السياحة المصرية، والارتفاع بوتيرة المصاعب الاقتصادية التى تعانى منها مصر، ودفعهم لكى يصطفوا وراء مصالح وطنهم الاقتصادية، انطلاقاً من أن هذا الاحتمال حتى لو صح، لتوجب على العالم أن يقف مع مصر لا ضدها، وأن يسعى لمساندتها اقتصادياً بدلاً من العمل على إضعاف قدرتها على الصمود، لأنها تدفع ثمن ما بذلته وتبذله من تضحيات من أجل حمايته من مخاطر الإرهاب.
ولكن نقطة الانطلاق الصحيحة تلك غابت، فيما يبدو، عن الذين قرروا - من دون مناسبة وبلا سبب مفهوم - أن يفتحوا ثغرة فى جبهة الاصطفاف الوطنى، بالقبض بطريقة فظة على اثنين من رجال الأعمال البارزين هما صلاح دياب، مؤسس «المصرى اليوم»، وتوفيق دياب، عضو مجلس إدارتها المنتدب، من دون أن يقوموا بتقدير موقف لما يمكن أن يترتب على هذا الإجراء من آثار على مجتمع المستثمرين المصريين، فى ظروف تتعرض فيها البلاد لعواصف تستهدف قلقلة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وإخضاعها لما يشبه الحصار الاقتصادى، وتتعرض فيها لخطط يرسمها أهل الشر لإرهاب المستثمرين المحليين والأجانب، واستهداف مصالحهم ودفعهم للتوقف عن أنشطتهم أو للهجرة بأموالهم.
كما غابت - كذلك - عن الذين اختاروا هذا التوقيت الحرج بالذات لكى يحيلوا أحد أبرز النشطاء فى حركة حقوق الإنسان، وهو حسام بهجت، إلى النيابة العسكرية، التى أصدرت قراراً بحبسه احتياطياً على ذمة التحقيق لنشره أخباراً تتعلق بالقوات المسلحة، وصحيح أن القانون القائم يحظر نشر أى شىء يتعلق بالقوات المسلحة دون الحصول على إذن مسبق منها، ولكن من الصحيح كذلك أن الدستور المصرى يحظر توقيع عقوبات سالبة للحرية فى جرائم النشر، وما لا يجوز فيه الحبس لعقوبة لا يجوز فيه الحبس الاحتياطى كإجراء احترازى.
وإذا كان الرئيس السيسى قد حرص، عبر الرسائل التى وجهها أثناء زيارته لمطار شرم الشيخ، على أن يطيب خاطر الذين أصابتهم هذه الإجراءات، وأن يسد بعض الثغرات التى حدثت فى جدار الاصطفاف الوطنى نتيجة لها، فقد آن الأوان لكى يدرك المسؤولون عن كل أجهزة الدولة المختصة أن ما يتعلق بحماية الاصطفاف الوطنى هو أمر سياسى سيادى ينبغى أن يعودوا فيه إلى الرئيس حتى لا يتصرفوا كما يتصرف الطوبجى الأعمى!