الأزمة الحقيقية التى تمر بها مصر هى أزمة اختيار المسؤولين التنفيذيين، ونحن على مدار أكثر من خمسين سنة لا توجد لدينا أسس وقواعد لاختيار الوزير أو رئيس الوزارة، فلا نعرف من أين أتوا ولماذا رحلوا وغابت كلمة الاستقالة وأصبحت كلمة الإقالة هى السمة الدائمة لتغيير هؤلاء!! كان الرئيس السادات أكثر الرؤساء تحميلاً للحكومات المسؤوليات فى أوقات الأزمات، وكان يعتبر إقالة الحكومات بمثابة كبش فداء لحماية الرئيس ذاته.. فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، كان التغيير الوزارى يتم بشىء من العند، حيث لم يكن الرجل من الذين يخشون الرأى العام وانتقاد الحكومة، وإنما كانت تغييراته مبنية على معايير شخصية فى المقام الأول (أهل الثقة قبل أهل الخبرة)، وأحياناً يكون لمعان بعض المسؤولين وإقدامهم على التصريحات الإعلامية الشعبوية والشو الإعلامى هو السبب فى إقالتهم مثلما حدث مع حكومة كمال الجنزورى فى أواخر التسعينيات، ودارت الأيام،
وتغير نظام الحكم فى مصر، وأصبح رئيس الحكومة، (المفروض أنه شريك فى الحكم مع رئيس الجمهورية)، بناء على صلاحيات دستورية، ومع ذلك ظل رئيس الحكومة كما هو، ويبدو أن أفكار الفراعنة لم تتغير كثيراً، حتى إن تغير دستورهم، فرئيس الوزراء كان ومازال هو السكرتير لرئيس الجمهورية فى تنفيذ تعليماته لإدارة شؤون البلاد، بل الأدهى أننى قد سألت فى حوارات صحفية سابقة أكثر من ستة رؤساء وزارات مختلفين عن المدى الذى أُتيح لهم فى حرية اختيار وزرائهم، فكان البعض لا يجيب والبعض يتلعثم والبعض الآخر يرد على استحياء، قائلاً اخترت ثلاثة وزراء، وفى الغالب يكونون وزراء لوزارات بلا حقائب وزارية، وعندما أسأله: مَن اختار الباقى، يجيب بابتسامة معهودة: طبعاً الرئيس.. ومن ثَم يأتى لنا دائماً مجلس وزراء رئيسه لم يختَر أعضاءه، وأعضاؤه يعرفون أن رئيسه لا ولاية له عليهم، وأن انتماءهم لمَن اختارهم، وهنا تبدأ الانقسامات داخل مجلس الوزراء، وظهر ذلك بوضوح فى عدة وزارات مختلفة، ونحن لا ننسى الطريقة التى أُقيل بها المهندس إبراهيم محلب، حيث فوجئ الرجل باتهام وزير من وزرائه، وهو لا يعلم، بل الأدهى أنه عندما اجتمع الوزراء وعرضوا عليه أن يعيد العرض على رئيس الجمهورية بتجديد الثقة فيهم، فوجئ الرجل بإقالة الحكومة واإقالته وفوجئ أيضاً بالقبض على وزير الزراعة، الذى يبدو أنه قد تعهد له بخروج آمن بعد قبول استقالته. وأخيراً وليس آخراً، حكومة دكتورشريف إسماعيل، والتى فوجئ الناس باختياره، رغم أنه مشهود له بالكفاءة فى مجال عمله كمهندس للبترول، لكن الاختيار كان مُحَيِّراً لكثيرين، وانتشرت الشائعات والأقاويل والتحاليل الشعبية عن سر اختيار الرجل، فمنهم مَن قال إنه أبرم اتفاقات مهمة فى مجال الاكتشافات البترولية، ومنهم مَن صمت (وعمل نفسه من بنها)، وللأسف حتى استمرار بعض الوزراء فى أماكنهم وإعادة وزراء سابقين إلى العمل مثل وزير السياحة، الذى كان قد أُقيل بشكل مسىء له، حيث كان فى مؤتمر دولى، وكاد يعتلى المنبر، وعندما أخبروه بإقالته أنزلوه من المنبر وأعادوه إلى مصر.. ومن ثَم بات واضحاً للجميع أننا فى حاجة ملحة لتحديد الأسباب (العلمية والمهنية) لاختيار رئيس الوزراء والوزراء، كيف أتوا وإن شاء الله بعد عمر قصير لماذا رحلوا و(العينة بينة).
ويبقى فى النهاية أن الضحية هو المواطن الذى يواجه مشاكل وتحديات الحياة من فقر وخدمة صحية متدنية وبطالة مسؤول عنها فى النهاية هؤلاء الوزراء الذين جاءوا ورحلوا بأسباب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.