x

بهي الدين حسن الدبلوماسيون لا يصنعون من الفسيخ شربات!( 2- 2) بهي الدين حسن الخميس 12-11-2015 21:31


بالطبع مرت الزيارة الرئاسية لبريطانيا مثلما مضت زيارات قبلها فى الاتجاهين. فهناك مصالح مالية كبرى، ومصانع سلاح تبحث عن مشتر «كريم»، وإلا توقفت وجلس عشرات الألوف من العاملين فيها فى منازلهم. ليس مهماً إذا كان فى المقابل سيجلس فى منازلهم عشرات الألوف من العمال وحملة الدكتوراه والماجستير دون عمل فى دول أخرى. لا يكترث عموماً تجار السلاح أو من يتحدث باسمهم على قمة الحكم فى أوروبا بحقوق الإنسان، خاصة فى الدول المتلقية للسلاح. بالنسبة للعالم العربى بالذات، هم ينطلقون من وجهة نظر عنصرية، تحتقر شعوب المنطقة، وتتفق مع حكامها «الوطنيين»، فى الاعتقاد بأنه لا يجدى مع هذه الشعوب بالذات سوى القبضة الحديدية، أما على يد المستعمر أو من يؤدى المهمة بالنيابة عنه. فى ورقة بحثية صدرت عن أحد مراكز التفكير المعنية بشؤون الأمن الدولى- ترجمتها «الشروق»- يتساءل مركز «ستراتفور» عن أهداف صفقات السلاح العربية الباهظة؟

بصرف النظر عن عنصرية حكومات تجار السلاح فى الغرب إزاء العرب، فإنها تصنف فى خانة «الأصدقاء»! نظراً لأن هذه الحكومات- جنباً إلى جنب روسيا والصين- لا تكترث بحقوق الإنسان. إسرائيل عضو أصيل غير معلن فى هذا المعسكر. ليس فقط لعنصريتها، فـ«اللوبى الإسرائيلى» فى واشنطن هو أكبر مدافع عن الحكومة المصرية فى الكونجرس الأمريكى. كما أن إسرائيل لا تبخل بتقديم خدماتها الاستخباراتية واللوجستية فى سيناء ضد الإرهاب، قبل وبعد سقوط الطائرة الروسية. من ناحية أخرى، لا تبخل مصر برد الجميل، بالتصويت لصالح إسرائيل فى الأمم المتحدة لأول مرة منذ نشأتها، وبدعوة الدول العربية للانضمام لاتفاقيات السلام مع إسرائيل، الأمر الذى رحب به نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل فى تصريح فورى مفعم بالحرارة، بينما أعلن أبومازن فى اليوم التالى انسحابه من هذه الاتفاقيات.

أما الحقوقيون والصحفيون والأكاديميون الأجانب وغيرهم، الذين ينطلقون من نظرة ندية للعرب تقوم على مبدأ المساواة فى الإنسانية، ويشعرون بمسؤولية أخلاقية إزاء معاناتهم المهولة المتواصلة على أيدى حكوماتهم والمستعمرين من قبلهم، فإنهم يصنفون فى خانة «الأعداء»! خلال هذا الأسبوع يعقد الكونجرس الأمريكى جلسة استماع مخصصة لحقوق الإنسان فى مصر. شهادة محمد سلطان فى هذه الجلسة، الأشبه «بمحاكمة»، قد تكون الأقل حدة مقارنة بأصحاب الشهادات الأخرى الذين وجهت لهم الدعوة مع سلطان. سارة ويتسون، مديرة قسم الشرق الأوسط فى منظمة هيومان رايتس ووتش، المنظمة التى تطالب بتحقيق جنائى دولى مع كبار المسؤولين عن جرائم حقوق الإنسان بمصر. دانيال كالينجهارت، نائب رئيس منظمة فريدوم هاوس، التى تصنف مصر فى تقاريرها باعتبارها دولة غير ديمقراطية وصحافتها غير حرة، وتطالب بفرض عقوبات على حكومتها. الشهادة الرابعة من نصيب شادى حميد، أحد أبرز الباحثين المتخصصين فى العالم العربى بمعهد بروكنجز، وهو أحد أهم مراكز التفكير فى الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن المقال الأخير لشادى فيما يتعلق بمصر كان عنوانه «نظام السيسى هو هدية لداعش». تسبق هذه الشهادات جلسة يستمع فيها لاثنين من المسؤولين الحكوميين ذوى الصلة. أحدهما هو توم مالينوفسكى، نائب مساعد وزير الخارجية المعنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وهى المرة الثانية التى يتحدث فيها هذا العام أمام الكونجرس، ولكن الأولى كانت عن حقوق الإنسان فى العالم. حينذاك قال مالينوفسكى إن انتهاكات حقوق الإنسان فى بعض بلدان العالم صارت تشكل أيضا خطراً على الأمن القومى الأمريكى، لأن هذه الانتهاكات تغذى التطرف وتعزز دوافع الإرهاب. مصر كانت ضمن قائمة هذه البلدان.

بالطبع يمكن للبعض أن يضم سلطان وأمثاله من الشهود والبرلمانات الذين تطلب شهاداتهم، وكبريات الصحف والمجلات الأمريكية والبريطانية والألمانية، ومراكز البحث والتفكير العالمية، وقبلها منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة والدولية، إلى معسكر المؤامرة الهزلية الكونية الإمبريالية الصهيونية على مصر.. ولكن الدبلوماسيين المصريين يعرفون جيداً أن ترديد هذا الهراء مع نظرائهم الأجانب لا يفيد إلا فى جعلهم أضحوكة العالم كله. يفاقم من المشكلة أن المسافات بدأت تضيق تدريجيا بين المصنفين «أعداء وأصدقاء»، ففى نهاية المطاف مظلة مخاطر الإرهاب تجمعهما معا.

بالطبع إذا تأكدت مزاعم «داعش» حول إسقاطها الطائرة الروسية، فإن هذا سيؤدى إلى إسراع عملية التوافق بين المعسكرين، على أن كفاءة وممارسات وسياسات النظام الحالى هى «جزء من المشكلة، لا الحل». أيضاً لا يستطيع المصنفون فى معسكرى «الأعداء والأصدقاء»- بما فى ذلك بعض دوائر الحكم فى دول حليفة كالسعودية والإمارات- فهم لماذا مازال يحتفظ السيسى فى سجونه بشباب مسالم، على رأسهم من هم مثل علاء عبدالفتاح وأحمد ماهر وأحمد دومة، بينما تخوض مصر حرباً ضارية ضد الإرهاب؟! الإجابة المتكررة التى يكررها حواريو الرئيس فى القاهرة، ومرافقوه فى رحلاته الخارجية، أنه يعتقد أن هؤلاء الثلاثة أخطر عليه من الإخوان! نظراً لأن الإعلام الأمنى يعتبر الإخوان أخطر من «داعش»، فإن هؤلاء الرموز الثلاثة تصير مصنفة «رسمياً» أخطر من «داعش»! لا تساعد مثل هذه المهاترات فى شىء، إلا فى فقدان ثقة «الأعداء والأصدقاء والحلفاء» فى رشادة العقل الحاكم فى مصر، وفى إلقاء أضواء إضافية عما يعنيه الرئيس بأن الدول لا تدار «بالنوايا الحسنة»! ما جرى فى رحلة الرئيس الشهر الماضى إلى نيويورك قد يحمل مؤشرات على عملية إعادة تقييم جارية لرشادة العقل وكفاءة الحكم. فقد رفضت طلبات متكررة بدعوة الرئيس السيسى للاجتماع مع الرئيس باراك أوباما فى واشنطن، ثم فى نيويورك، حيث أقام الاثنان معا فى نفس المدينة لمدة أسبوع كامل. كما رفض طلب الرئيس بإلقاء كلمة فى قمة مكافحة الإرهاب، ومع ذلك حضر الرئيس السيسى اجتماع القمة، ليكون بذلك الرئيس الوحيد المشارك فى القمة ولا يحق له التحدث فيها، بينما كانت هناك كلمات مخصصة لرؤساء ولوزراء خارجية دول، بعضها ليس فى حرب ضد الإرهاب!

يستطيع الرئيس عبدالفتاح السيسى أن يوفر على الدبلوماسيين المصريين إراقة ماء الوجه- إذا كان مازال بالوجوه ماء- وخوض غمار معركة خاسرة سلفاً، إن لم يكن اليوم فغداً لم يعد بعيداً كما كان. يمكن للسيسى أن يدخل التاريخ من خلال المبادرة بإجراء مراجعة شاملة للسياسات الفاشلة التى وضعت مصر على هذا المنحدر السحيق، مراجعة تخرج مصر من الدوران فى فلك تلك الدائرة الجهنمية، التى تتابع فيها احتقار آدمية المصريين وإفقارهم، بتأجيج لهيب التطرف ونوازع الانتقام، وبواعث الإرهاب. وإلا فإن على الرئيس أن يتهيأ لدخول التاريخ من باب آخر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية