فى أول أيام الرئيس فى الحكم، ولفترة طويلة، كان قد عقد عدة لقاءات مع رموز مجتمع المال والأعمال، وكان الرئيس، فى أكثر من لقاء منها، يطلب من المهندس صلاح دياب أن يجلس إلى جانبه، وقد روى لى ذلك واحد ممن حضروا تلك اللقاءات، ثم روى لى كيف أن الرئيس كان يستقبل المهندس صلاح بحفاوة ظاهرة.. ومن ناحيتى، فإننى لاأزال أذكر صورة من هذا النوع، كانت منشورة بعرض الصفحة الأولى، فى صحيفة قومية كبيرة!
أقول هذا الكلام لعدة أسباب، ولكن أهمها سببان على وجه التحديد.. أما الأول فهو أنه لا يمكن لأى شخص أن يجلس إلى جوار رأس الدولة، فى لقاء عام ولأكثر من مرة، ثم يكون على هذا الشخص، سواء كان هو المهندس صلاح، أو غيره، شىء يعيبه.. وأما السبب الثانى، فهو أنى أتصور أن الرئيس كان يريد، من خلال مثل هذه اللقاءات، أن يقول إنه، بوجه عام، ليس بينه وبين أصحاب الأعمال شىء، وإنه إذا كان شىء سوف يكون بينه، وبينهم، فهذا الشىء سوف يكون القانون العادل.. ولا شىء غير القانون العادل.
أريد أن أستدرك لأقول إنى هنا لا أحب أن أتعرض لواقعة التحفظ على أموال الرجل، ولا حتى لواقعة القبض عليه بشكل مفاجئ، هو وابنه توفيق، صباح أمس الأول.. لا أتعرض لذلك، لأنه شأن يخص النيابة العامة أولاً، ثم إنه شأن قانونى مجرد ثانياً.
غير أنى أسارع فأقول إن الأمر، رغم أنه قانونى مجرد، إلا أن له وجهاً سياسياً واضحاً، لا يمكن لأحد إنكاره، وإلا كان هذا الأحد لا يرى.
وما أقصده بالوجه السياسى هو أن المهندس صلاح ليس رجل أعمال من النوع العادى بأى مقياس، كما أن وزنه فى مجتمع الأعمال ليس أيضاً من النوع العادى بأى معيار، ولذلك فإن إجراء من نوع ما جرى اتخاذه معه، كان لابد من حسابه سياسياً، إلى جانب الحساب القانونى، سواء بسواء، وبالورقة والقلم.
إن «الرسالة» السياسية التى سوف تخرج إلى مجتمع الأعمال، داخل البلد، أو خارجه، من واقعة التحفظ، أو القبض على الرجل مع ابنه، ليست رسالة جيدة، تحت أى ظرف، بل هى «رسالة» فى غاية السوء، ولا يمكن لعاقل، أن يدفع الدولة إلى خوض معركتين فى وقت واحد: معركة على مستوى السياحة، نتعرض خلالها لمؤامرة خارجية كبرى، وهى معركة يرى خيوطها الأعمى قبل المبصر، ثم معركة أخرى على مستوى الأعمال والاستثمار.. لا يمكن أبداً.. إذ تكفينا الأولى، وتكفينا ضخامتها وتداعياتها، لنتفرغ لها حتى نخرج منها بأقل خسائر ممكنة!
ليس من الحكمة فى شىء أن تكون الدولة فى معركة مع دول وعواصم مجتمعة، وليس مع دولة واحدة، أو عاصمة بمفردها، فى ملف السياحة، ومن ورائه الاقتصاد عموماً، ثم تقرر، طواعية، وبقرار منها، أن تخوض معركة موازية مع نفسها.. وكأننا أشبه بمن يتلقى صفعة من شخص، فهو بدلاً من أن يفكر كيف يرد الصفعة لصاحبها، فإنه يصفع نفسه على خده الآخر!
الدولة لا تحتمل خوض معركتين على جبهتين فى وقت واحد.. لا تحتمل.. فانتبهوا بكل ما تملكون من عقل، ومن وعى!