x

إبراهيم البحراوي أسئلة حرب أكتوبر الحائرة.. من يجيب؟ إبراهيم البحراوي الإثنين 09-11-2015 21:35


للعام الثانى على التوالى تنشر «المصرى اليوم»، فى يوم السادس من أكتوبر، دراسة من إعدادى أحلل فيها الوثائق السرية الإسرائيلية عن حرب ١٩٧٣. من دواعى اطمئنانى على حيوية العقل الجماعى للمصريين، شبانا كانوا أم شيوخا، أن الدراسة تحظى باهتمام فى أوساط السياسيين والعسكريين والأكاديميين، والأهم فى أوساط طلاب الجامعات من شبابنا قادة المستقبل كم أنها تولد تعقيبات من القراء تبرهن على انتصارنا، وفى نفس الوقت تطرح أسئلة حائرة عن الوثائق الإسرائيلية والوثائق المصرية، وعن أهدافنا من الحرب، وأدائنا فى تطوير المعارك والنتائج النهائية لتلك الحرب.

فى العام الماضى، عقدت جامعة عين شمس ندوة بدعوة من رئيس نادى هيئة التدريس، د.فايد غالب، أدارها رئيس الجامعة، د.حسين عيسى، لمناقشة الدراسة. لقد شاركنى فى الحديث فيها اللواء محمود طلحة، أحد قادة الكتائب فى تلك الحرب، وأحد كبار الباحثين حاليا فى تاريخها، وفيها طرح الأساتذة المناقشون أسئلة واعية ومهمة، مثل أين الوثائق المصرية عن الحرب، ولماذا لم نفرج عنها ونتيحها للباحثين ليحسموا قضية الخلافات بين الرئيس المصرى ووزير الدفاع المشير إسماعيل على من ناحية، ورئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلى من ناحية ثانية، حول قضيتى تطوير الهجوم ومواجهة الثغرة؟ ومثل سؤال يقول هل كان هناك خلاف فى الأساس بين القادة المصريين المذكورين حول الهدف من الحرب، وما إذا كان شن الحرب شاملا لتحرير سيناء أم شن الحرب محدودا لعبور القناة واحتلال شريط من الأرض فى الضفة الشرقية؟ ومثل لماذا لا تشكل لجنة التحقيق التى يطالب بها الأستاذ هيكل لحسم قضية دور أشرف مروان فى الحرب؟.

لقد طرحت أيضا أسئلة مشابهة فى الندوة التى عقدها المركز القومى للترجمة، برئاسة د.أنور مغيث، من جانب بعض قادة الكتائب الذين شاركوا فى صناعة النصر من زملاء اللواء طلحة. من الدلائل على أن هذه الأسئلة تشغل بال العقل الجماعى للمصريين أنه قد تكرر طرح أسئلة تحمل نفس الروح من الطلاب الشباب، فى ندوة عقدتها هذا العام كلية الآداب بجامعة القاهرة، بالتعاون بين قسم التاريخ، برئاسة د.أحمد الشربينى، وبين قسم الدراسات العبرية، برئاسة د.جمال الشاذلى، وأدارها عميد الكلية الأسبق د.زين العابدين أبوخضرة، وطلب منى الحديث فيها. أما فيما يتصل بالوثائق الإسرائيلية فقد كان كل من يطرح الأسئلة فى هذه الندوات يبدأ بالاعتراف بأهمية ما تكشفه دراستى للوثائق الإسرائيلية من جوانب الانتصار المصرى، ثم يبدى تحفظا يقول إن هذه الوثائق تقتصر على الفترة الأولى من الحرب، ثم يأتينى السؤال الحائر الأول قائلا لماذا تقدم لنا فى دراستك فقط الوثائق الإسرائيلية التى تبرهن على انتصارنا فى حرب الذكاء والمخابرات وتبرز درجة نجاحنا المذهلة فى بناء خطة الخداع الاستراتيجى، كما تقدم البراهين على النجاح الفذ لخطة العبور المصرية وعلى الهزائم التى تكبدتها الفرق المدرعة الإسرائيلية فى هجماتها المضادة على قواتنا التى عبرت قناة السويس. يضيف السائلون فى هذا السؤال الأول قائلين لى لماذا لا تكمل الصورة التاريخية وتقدم لنا الوثائق الإسرائيلية عن تطور المعارك؟ من المؤكد أن القراء سيوافقوننى على أهمية السؤال أن إجابته تتلخص فى شقين: الأول هو أن الإسرائيليين لم يكشفوا بعد عن كل وثائق الحرب ومازالوا يحجبون الوثائق الخاصة باجتماعات مجلس الحرب اعتبارا من يوم التاسع من أكتوبر ١٩٧٣. فى تقديرى أنهم سيواصلون حجبها لمدة طويلة، لأنها ستكشف عن مسألة شديدة الأهمية وهى تفاصيل التدخل الأمريكى لتغيير مسار الحرب وإنقاذ الجيش الإسرائيلى هو وقادته من هزيمة ساحقة ونهائية على الجبهتين المصرية والسورية.

إنه تدخل يتوقف حسب المعلومات المتاحة إلى الآن على إرسال إمدادات السلاح فيما يعرف بالجسر الجوى الأمريكى الذى وصلت طائراته الأولى إلى مطارات إسرائيل ومطار العريش يوم التاسع من أكتوبر وعلى إرسال متطوعين يهود من صفوف الجيش الأمريكى والجيوش الأوروبية. هذا فى حين أن التدخل جرى بأعمق من ذلك بإرسال مجموعات قيادة أمريكية لإدارة المعارك وإنقاذ القيادة العسكرية الإسرائيلية من انهيارها. فى تقديرى أن هذا السبب بالتحديد سيؤخر نشر الوثائق الإسرائيلية التى تقدم البراهين على هذه الدرجة من التدخل، ولا يخفى على فطنة القارئ أن هذه مسألة جوهرية للغاية لأنها تبين حقائق مهمة، مثل كيف تم تدمير عدد كبير من الدبابات المصرية فى معركة تطوير الهجوم المصرى، وماذا كان الدور الأمريكى فى تلك المعركة، وكيف تمكن شارون بعد ذلك من عبور القناة إلى الدفرسوار، وماذا كان الدور الأمريكى فى هذا العبور، خصوصا إذا ما وضعنا تحت أعيننا الحقائق الكاشفة عن أوضاع وحالة القوات والقيادة الإسرائيلية المتدهورة فى سيناء حتى يوم ١٣ أكتوبر، والتى تبينها الوثائق الإسرائيلية المنشورة حتى الآن. لقد بينت فى دراستى المنشورة بـ«المصرى اليوم» يوم السادس من أكتوبر هذا العام، والتى حللت فيها محاضر لجنة أجرانات للتحقيق مع رئيس الأركان جانبين: الأول هو جانب الأوامر التى أصدرتها قيادة الجيش يوم الثامن من أكتوبر إلى قادة الفرق المدرعة الثلاث فى سيناء، وهى فرقة الجنرال بيرن فى الشمال تجاه بورسعيد، وفرقة الجنرال شارون فى القطاع الأوسط أمام الإسماعيلية، وفرقة الجنرال مندلر فى القطاع الجنوبى أمام السويس.

خلاصة الأوامر كانت ابتعدوا عن مرمى القوات المصرية التى عبرت القناة، وتوقفوا عن الهجمات المضادة تجنبا لمزيد من الخسائر. أما الجانب الثانى فيتمثل فى البدائل التى طرحتها القيادة العسكرية على القيادة السياسية يوم التاسع من أكتوبر، وهى إما الانسحاب أمام المصريين إلى خط الممرات وإقامة خط دفاع ثان هناك، وإما بديل توجيه ضربة مضادة للقوات المصرية بمدرعات الفرق الثلاث المذكورة المجتمعة، وهو بديل استبعده وزير الدفاع باعتباره بديلا كارثيا فى حالة انتصار المصريين على هذه الفرق، حيث سيصبح الطريق إلى تل أبيب مفتوحا أمام المصريين. أما البديل الثالث الذى جاء فى الوثائق المنشورة بصورة تجمع بن التضمين والتلميح ولم تفصح عنه الوثائق بشكل صريح فتمثل فى انتظار وصول المدد الأمريكى. إن اللحظة التى سيتحول فيها التعبير عن هذا البديل من التلميح إلى التصريح فى الوثائق الإسرائيلية، التى مازالت محجوبة، ستكون لحظة فارقة تجعل من اليسير الإجابة عن عديد من الأسئلة الخاصة بتطور المعارك على الجبهتين المصرية والسورية، وبالتالى دحض كل الادعاءات الإسرائيلية عن أن نهاية الحرب تمثل انتصارا للجيش الإسرائيلى.

أما فيما يتعلق بالأسئلة الحائرة على جانب الوثائق المصرية والقرارات المصرية، فإننى أدعو اللواء محمود طلحة والدكتور أحمد الشربينى إلى الإجابة عنها، فهى إجابات تمثل من ناحية حقا للمصريين الذين صنع آباؤهم النصر، وهى تمثل من ناحية ثانية سدا لثغرة معلومات خطيرة تتسلل منها أجهزة الحرب النفسية الإسرائيلية إلى عقول شبابنا عبر ضباط الكتائب الإلكترونية الإسرائيلية المستعربة، والذين يقدمون أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعى على الإنترنت على أنهم مصريون أو عرب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية