الدول المحترمة كالقطار الملتزم، له محطاته المعروفة سلفاً، ومواعيده المحددة مسبقاً، بهامش تغيير مقبول. ومن يريد اللحاق بالقطار عليه أن يقوم بعدة إجراءات أولها دفع مقابل ما، على أن يوفر له مسؤلو القطار مقعداً. الجميع سواسية، حقوق وواجبات. بعد الدفع يقف الراكب المحتمل على رصيف المحطة انتظاراً للقطار، أما من لا يريد أن يركب فهذا شأنه، ومن يقرر أن يقف أمام القطار لابد وأن يدهسه فوراً غير مأسوف عليه، لأنه -من المفترض- ألا يقف فى غير محطاته المُعلن عنها أو أن يعود إلى الخلف. هو يسير فى طريقه من تقدم إلى آخر.
أما الدول «القشاش» -أرخص نوع- فهى التى تقف كل ثلاثة أمتار مع أول إشارة لأى عابر سبيل، فى محاولة بائسة لفعل المستحيل وإرضاء الجميع.. وكلما وجد «القشاش» جزءاً مقطوعاً من الشريط الذى يسير عليه، بحث لنفسه عن شريط آخر، غير مهتم بمحطة وصوله، هو مهتم فقط بـ«قش» الناس من على قارعة الطريق كلما أمكن، المشكلة أن الجميع حينها لن يجدوا مقاعد تعجبهم، لأن كلا منهم يظن أنه الأفضل فى القطار الذى توقف له خصيصاً، كما أن هذا القطار لن يكون وقتها وسيلة نقل بل «مطية» يمتطيها الجميع ويطمحون فى قيادتها لأنها لم تبدِ لهم ما يجبرهم على احترامها.. الصحيح أن يستمر القطار فى اتباع الشريط الصحيح وإن تطلب هذا بعض الإصلاحات المُكلفة.
تتفاقم أزمات «القشاش» حين لا يُفعِّل السائق القانون ويسمح للبعض بالركوب فوق سطح القطار، مما يشوه الشكل ويُزعج الرُكاب المتواجدين ويخيف المحتملين منهم. هؤلاء العابثون فوق السطح يوهمون الركاب دوماً أنهم أصدقاء السائق الذى يحميهم فى مخالفاتهم، كما يعطون انطباعاً أن معظم المقاعد مخصصة للمعاقين وكبار السن، فلماذا يركب الآخرون؟
أما على الأرض، فيقف مجموعة من البلطجية وأطفال الشوارع وشذاذ الآفاق بأماكن عشوائية ينادون: «قرب.. قرب»، هؤلاء يكرهون الناس فى القطار وسائقه وطريقه، ويوحون إليهم أن السائق نائم فى مقصورته.
الحل أن يقف القطار فى محطاته فحسب، وأن يمشى فقط فى طريقه الذى يوصله لمحطته المعروفة. وأن يتم تنظيم عمل فرقة «قرب، قرب»، ليحترم الرُكاب المنظومة ويتبعوا صافرة ناظر المحطة التى لا تُفرّق بين أحد. وعلى السائق أن يهتم بمصلحة القطار وليس بإرضاء الرُكاب الذين إن لم يعجبهم شىء فعليهم طرح البدائل وإلا فيمكن وضعهم -بنفس راضية- فى قطار النوم!
Twitter: @RamyGalal1985