تصريحات المتحدث باسم رئاسة الوزراء عن الأمطار كشفت عن الظلم الكبير الذى تعانى منه الحكومة مع الشعب، هكذا أراد الرجل أن يقول، أو هكذا فهم المشاهد، ففى مداخلة تليفزيونية حول غرق المنازل قال نصاً: «المواطنين برضه مسؤولين عن اللى حصل، لأنهم مش مستعدين لاستقبال الأمطار والسيول، وإزاى يسيبوا بيوتهم تغرق تانى بعد أول مرة»!.
لنا أن نتخيل العديد من التصريحات والبيانات التى صدرت عن هيئات الأرصاد فى الداخل والخارج على مدى الشهور الماضية، والتى أكدت جميعها أن فصل الشتاء هذا العام، كما كان الصيف تماماً، سوف يكون مختلفاً، أن الأمطار كذلك، أن هناك سيولا منتظرة، أن هناك صقيعا غير مسبوق، أن التغيرات المناخية أصبحت حتمية، ورغم كل ذلك لم نسمع عن اجتماع هنا أو هناك، ذراً للرماد فى العيون، يناقش كيفية الاستعداد لمواجهة هذا القادم، كيفية التعامل مع الأزمة، الإجراءات التى ينبغى اتخاذها فى مثل هذه المواقف، وأولها تصريف المياه من الشوارع حتى لا تدخل على الناس بيوتها، وبذلك لن تكون هناك مشكلة مع المواطن، لا خارج المنزل، ولا بالداخل.
الأكثر من ذلك أن الإسكندرية وحدها كانت البداية، وتم تقديم المحافظ كضحية للأزمة بكل جوانبها، من خسائر فى الأرواح، إلى الممتلكات، إلى تعطل الإنتاج، ماذا أعددنا على الفور كى لا تتكرر المأساة بالمحافظات والمدن الأخرى، لا شىء، كان من الطبيعى أن تمتد الكارثة إلى بقية المحافظات خلال أيام معدودة، وسط خسائر فى الأرواح هذه المرة فاقت مثيلاتها فى الإسكندرية، وأصبحنا أيضا نتعامل مع الحدث بنظام القطعة، على الرغم من أن القضية أصبحت عامة، غرق مواطنين، وصعق بالكهرباء، وانهيار منازل، وتدهور طرق، وتعطل حركة السير، وارتباك المرافق والخدمات، وصل الأمر إلى اعتبار أيام الأمطار إجازات رسمية.
الأضواء من البداية كانت مسلطة على الإسكندرية، أو بمعنى أصح على محافظ الإسكندرية، ولذلك فقد نالت المحافظة ما نالت من الاهتمام، على خلاف باقى المحافظات، من البحيرة، إلى الغربية، إلى كفرالشيخ، وحتى الدقهلية ودمياط، وتكفى الإشارة هنا إلى أن محافظة البحيرة وحدها شهدت 15 حالة وفاة، من بينها 3 صعقا بالكهرباء، بخلاف خسائر مادية غير مسبوقة فى مثل هذه الحالات.
لم تنتقل هذه القوات السريعة، ولا تلك للبحيرة، مثلما حدث مع الإسكندرية، كما لم يتم مد المحافظة بمعدات وأجهزة من أى نوع، ولم يتحرك السيد رئيس الوزراء إلى هناك، على الرغم من أنها أقرب مكانياً إلى العاصمة عن الإسكندرية، كما لم نسمع عن اتصال هاتفى بينه وبين محافظ الدقهلية مثلا أو الغربية، على الرغم من أن الأزمة التى نحن بصددها تحتاج إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير، الوضع يحتاج إلى خلية أزمة على المستوى المركزى، ثم ما يتفرع منها على مستوى كل محافظة، يحتاج إلى تنسيق بين عدد كبير من الوزارات من خلال مجلس الوزراء، يحتاج إلى انعقاد شبه دائم للحكومة، إلى اجتماعات مفتوحة، إلى رصد أموال بالدرجة الأولى.
كارثة الإسكندرية توقفت عند دفن الضحايا، وشفط المياه من الشوارع، وإرسال قوات، وسحب القوات، والإعلان عن تعويض المضارين بواقع مائة جنيه لكل مضار، وتسليك المواسير، وفتح المحابس، وشكوك حول فعل فاعل فى الأزمة، ثم المباهاة والتفاخر، ولم يخرج علينا أحد يوضح ماذا لو أمطرت السماء اليوم أو غدا، وكأن اتفاقا تم توقيعه بعدم سقوط أمطار.
نحن أيها السادة مازلنا فى بداية موسم الشتاء، وما خفى كان أعظم، يجب أن نعترف بأن المهمة سوف تكون ثقيلة، خمس سنوات على الأقل من الانفلات فى كل شىء تقريبا، لم تحصل خلالها البنية التحتية على حقها من الصيانة، أو الإحلال والتجديد، المرافق بصفة عامة أصبحت مهلهلة، لم يتم بناء أو إنشاء هذه المرافق بسهولة، أو بين عشية وضحاها، على العكس تماما، فقد استهلكت موازنات الدولة على مدى 30 عاماً مضت، بخلاف المعونات الخارجية، فى هذا الشأن، كان لا يجب إهمالها على الإطلاق، كان يجب التعامل معها على أنها ركيزة البناء للمستقبل.
للأسف، ربما إمكانيات الدولة الآن لا تسمح بالتعامل مع كل ذلك دفعة واحدة، إلا أنها الضرورة التى لا يجب تجاهلها لأى سبب، فلا يجب أبداً التعامل مع مثل هذه الأحداث بعد وقوعها، درء الأخطار يجب أن يكون أولى أولويات الحكومة، أو هكذا يجب أن يبحث الشعب عن حكومة تعمل بهذه العقلية، أو تلك هى مواصفاتها، أما إذا كان الشعب على غير رغبة وهوى الحكومة، فلتبحث عن شعب آخر خارج الجغرافيا المصرية، ومن هنا كان حديث المتحدث باسم رئاسة الوزراء غير موفق أبدا، أو أنه بالفعل جاء معبرا عن حكومة المرحلة، هكذا هو حجمها، وهكذا هى رؤيتها للناس، ولذلك فإن الأزمة مستمرة.