x

بهي الدين حسن الدبلوماسيون لا يصنعون من الفسيخ شربات! (1- 2) بهي الدين حسن الجمعة 06-11-2015 21:25


يواجه الدبلوماسيون المصريون أياما صعبة فى الفترة المقبلة. لقد نجحوا بشق الأنفس فى تسويق نظام الرئيس عبدالفتاح السيسى للعالم الخارجى، باعتباره «جزءا من الحل» لمشكة الفوضى والإرهاب المتفاقم فى العالم العربى، التى تشكل تهديدا أيضا للأمن الدولى. الآن عليهم أن يواجهوا اتجاها عالميا صاعدا ينظر إليه باعتباره «جزءا من المشكلة».

فى مواجهة الانتقادات العارمة للإطاحة بالرئيس محمد مرسى، جرى تقديم نظام الرئيس السيسى باعتباره الركيزة الوحيدة المتماسكة لاستقرار مصر، وبالتالى العالم العربى، فى مواجهة انتشار أعاصير الفوضى والإرهاب والتفكك التى اجتاحت عدة دول فى المنطقة. كانت الرسالة للغرب أن عليه- من أجل مصالحه العليا فى الاستقرار وفى وقف امتداد نيران الإرهاب إلى عقر داره- أن يضع حذاء فى فمه، حتى لا يفتح ليستنكر جرائم حقوق الإنسان، وذلك باعتبار أن هذه الجرائم ثمن ضرورى لتحقيق الهدف المشترك. وافق المشترى على مضض، ولكن البائع فشل فى الوفاء بالمطلوب رغم مرور أكثر من عامين على الصفقة.

الفشل فى سيناء «فاضح» للعيان، حتى إن قوات حفظ السلام الدولية هددت بالانسحاب. بل صار الإرهاب قادرا على أن يضرب فى قلب العاصمة بهجمات نوعية كبرى دون التوصل للجناة، برغم أنها عمليات مكررة بالكربون. مثل اغتيال النائب العام على نسق محاولة سابقة لاغتيال وزير الداخلية. كذلك التفجيرات «الكربونية» المتوالية لمديريات الأمن ومقار مباحث أمن الدولة والقنصلية الإيطالية. من ناحية أخرى فإن أعمال العنف السياسى التى كانت محدودة منذ عامين، صارت نمطا يوميا للحياة فى القاهرة وعدد متزايد من المدن المصرية بطول البلاد وعرضها، بينما تتوالى المؤشرات الملموسة على ازدياد الميل للتطرف العنيف وسط المصريين، بالتوازى مع إغلاق قنوات التعبير السلمى. الانتخابات البرلمانية، التى هى فى كل دول العالم مهرجان للمباريات السياسية، صارت فى مصر مناسبة إضافية للاحتفاء بالتوجهات الانغلاقية لنظام الحكم. صمت لجان الانتخاب الخاوية كان صداه مدويا فى العالم، ورسالة أكثر بلاغة وشمولا من مليون بيان إدانة، حول مدى قصر عمر سراب الاستقرار. من السجون خرجت عدة شهادات مخيفة، ليس فقط حول تفشى التطرف والنزوع للعنف، بل حول مدى تعاظم قدرة التنظيمات الجهادية على تجنيد المقاتلين والأنصار من بين السجناء الآخرين، بالاستفادة من الظروف اللاإنسانية المروعة السائدة فيها. كان بعض شيوخ البدو فى سيناء قد سبق أن حذروا، منذ عدة سنوات، من مخاطر احتجاز السجناء الجنائيين السيناويين مع الجهاديين فى ذات السجون. لكن الأجهزة الأمنية- التى تعتقد أنها مبعوث «العناية الإلهية» للمصريين- هى أسمى من أن تصغى إلى عامة الشعب، خاصة إذا كان فى نظرها مشبوها، سواء كان سيناويا أو حقوقيا. السياسات التى قادت إلى هذه النتائج الكارثية صارت فى قفص الاتهام، مهددة بالتالى بأن تتحول وجهة نظر حلفاء السيسى فى الغرب، إلى اعتباره «جزءا من المشكلة». «البيعة» صارت فى نظر بعض الدوائر خسرانة. فالفشل مزدوج، فى مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار وحقوق الإنسان. لذا فإن الحذاء يوشك أن يقع من الفم.

إحدى أهم هذه الشهادات تتجسد بذاتها فى شخص حى، مواطن مصرى اسمه محمد سلطان، قضى فى السجن 21 شهرا متواصلة من التعذيب النفسى والجسدى. ولأنه يحمل جنسية إضافية، أكرمه الله بالإفراج عنه، لينتقل إلى وطنه الثانى: الولايات المتحدة الأمريكية. وليتمكن من أن يبوح بما لم يتسع له الإعلام «الحر» فى وطنه «الأصلى». أهمية شهادة سلطان أنها لا تقتصر فقط على الانتهاكات المروعة لآدمية البشر التى تعرض لها وآخرون من مجاوريه فى السجن من المواطنين «الأصليين»، بل تمتد لتبرهن بالملموس- بوقائع مغموس قلمها فى نزيف دم لا يتوقف ولعاب حيوان نازى لا يرتوى- على الترابط الوثيق بين هذا الاستهتار غير المسبوق بآدمية البشر، وبين استهتار آخر بمخاطر الإرهاب، من خلال المساهمة فى تغذية جذور الإرهاب، وتصليب عودها، وخلق بيئة أفضل لنموه وتمدده وخروجه عن السيطرة. تثير هذه الشهادة ومثيلاتها سؤالا بديهيا: لماذا تكره هذه الأجهزة مواطنيها إلى هذه الدرجة؟ من أين ينبع هذا التوحش اللاإنسانى؟ ما هى الأسس العلمية والتاريخية والأخلاقية التى تدرس فى المعاهد الأمنية من أجل تنمية هذا التوحش وتجذيره؟ ماذا يدرس فى هذه المناهج عن المصريين؟

نظرا للأهمية الاستثنائية لشهادة سلطان، أفردت لها صحيفة «النيويورك تايمز» صفحة كاملة، واجتمع به جون كيرى وزير الخارجية الأمريكية، رغم أن سلطان دائم السخرية علنا من تصريحات كيرى المجاملة للسيسى. كما استضافه البرلمان الأوروبى منذ نحو أسبوعين فى جلسة استماع. ونشرت جريدة «الجارديان» البريطانية هذا الأسبوع نسخة موجزة من شهادته بمناسبة زيارة السيسى المقررة فى الأسبوع الثانى هذا الشهر. صيغت الشهادة فى قالب رسالة إلى ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء، تدعوه فى ختامها إلى سحب دعوته للسيسى وإلغاء الزيارة. من اللافت أن سلطان لم يبرر نداءه لكاميرون، بجرائم حقوق الإنسان فقط، بل لكونها تضر أيضا باستراتيجية كاميرون لمكافحة الإرهاب!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية