x

علاء الغطريفي الجنيه: اللهم لا تجعلنى «بوليفار»..! علاء الغطريفي الأحد 01-11-2015 21:22


لم يقبل أن أضع فى يده جنيها «لحلوحا» كما يقولون، فنظرته المستنكرة لما فعلته جعلتنى أعود لعقود ثلاثة، فكاتب السطور من مواليد منتصف السبعينيات، يعنى شاف القرش والتعريفة ويتذكر طشاش المليم، فقد وقع فى يده يوما ما، رجعت برأسى حتى وجدت حائطا لأستند إليه، فقد أغوتنى الذكرى بالشكل الذى خشيت معه السقوط، التقاؤه- أى الجنيه- بكف يدى كان عيدا يماثل سقوط الأمطار على واحة أكلتها الرمال يوما ما، فأغاثها الخالق، فعادت كما هى خضراء غَنَّاء، أقلبه فى يدى وأتأمله، قبل صرفه، وأفكر كثيرا، فقد كان يشترى أشياء تجعل أى طفل ريفى مثلى يطير فى سماء السعادة،

«اللحلوح» كان موسميا يظهر فى الأعياد أما باقى السنة فعِشْ مع «الفكة»، يعنى كنا شغالين طول السنة قَطَّاعى ولما ييجى العيد نقَضِّيها جُملة، هذا الجنيه كان يذهب بك إلى المدينة القريبة، وبمعاونة من «الحصَّالة» قد تستطيع أن تذهب إلى صالات السينما العتيقة «بس مش بلكون»، هكذا كانت الثمانينيات، العلاقة مع الجنيه طبيعية، حتى وإن شابها بعض من رذاذ مسؤولينا، علاقة الألفة والحب والتقدير كانت مثل حب «كلونى» لـ«أمل علم الدين»، «يعنى سُوشى والذى منه»، ولم تكن يوما ما مثل اليوم الذى خشيت فيه على الجنيه أن يلاقى مصير قرينه «البوليفار» فى الشقيقة فنزويلا، فالدولة التى تملك أكبر احتياطى نفطى فى العالم وصل الحال بعملتها الوطنية- وفق نيويورك تايمز- إلى أن اللصوص أنفسهم لم يعودوا يريدونها، فـ«البوليفار»، الذى يحمل اسم رمز استقلالها «سيمون بوليفار»، هَجَرته الأحضان الفنزويلية، فالمواطنون يعتبرونه سيئ السمعة، ويتعاملون معه بالاستبعاد من جيوبهم مادام يقف أمام الأخضر عاريا، فبعد أن وصل- قبل عام- إلى 100 بوليفار،

يساوى حاليا 700 بوليفار، والسلع أصبحت فقط فى السوق السوداء، حتى إن محافظا أسبق لبنكها المركزى قال- ساخرا: هل تريد أن تفهم لماذا تتوفر أموال كثيرة، بينما لا توجد أى نقود؟ التعبير القاسى عن انهيار العملة المحلية هو تجسيد لسيناريو أسود، بالتأكيد لا نحب أن نصل إليه، ولكن عندما نتفحص الأرقام عن تنبؤات تتعلق بقيمة الجنيه أمام الدولار تجعلنا نتحسب، فالشقيق الفنزويلى أيضا تعامل مع عملته بغياب الإفصاح والإخفاء ودفن الرأس فى الرمل بشأن البيانات الاقتصادية، وكعادتنا فى الاختلاف، كانت حكومتنا تفعل ذلك بالتزامن مع بروباجندا «وارد 2015» عن النهضة الاقتصادية والرخاء عبر الفرقة الماسية للتطبيل، رغم أن الواقع مخالف تماما لما يتم الترويج له، فالواقع فاضح، حتى وإن حاول البعض تجنب الوقوف أمام المرآة..!

«البوليفار» يشكو هناك، ومن ثَمَّ كفر به الشعب الفنزويلى، فانهار وأصبح بلا قيمة، حتى ازدراه اللصوص أنفسهم، وبنفس الازدراء كان يتحدث هشام رامز، فى حواره الأخير، قبل الاستقالة أو الإقالة- سمها كما شئت- ولكن عن أداء الحكومة فى جلب العملة الخضراء إلى البلاد وخطاياها فيما يخص الاستيراد وغياب الرؤية عن السياسة الاقتصادية وتسيير الأمور على طريقة «بُكرة تُفرج»، والأخيرة من عندى وليست بلسان «رامز».

الجنيه المظلوم، الذى كان يوما بلغة البائعين فى بورسعيد ووكالة البلح، «حالون» أصبح لا يشترى شيئا، ونظرة السخرية من أحد أطفالك تفسر أن هذه العملة ستستمر مُهانة، ولا تمثل أى قيمة، حتى فى دول عربية كانت قبل سنوات تحترمها، حتى على سبيل التقدير لهذه البلاد التى علمتهم الكثير.

الخلل فى الإدارة الاقتصادية يدفع ثمنه مواطن كان يألف مسجد قايتباى ومعبد أبوسمبل، واليوم لم يألف الجنيه بصورته المعدنية، فالعلاقة فاترة باردة، اللهم لا تجعلنى «بوليفار».. قد ينطقها الجنيه إذا مشى فى الطرقات واستمع إلى اللعنات والأنَّات عنه ومنه، حتى وإن كان قريبا من التمثال القابع على أطراف جاردن سيتى، ولن يرضى- أعلم أنه عزيز- بأن يحتقره أحد اللصوص ويفعل مثلما فعلت العصابة الفنزويلية، التى خطفت ضحيتها واقتادته إلى منزله للحصول على ما يحتفظ به من العملة الخضراء، رغم أن الجريمة الشائعة هناك أن تخطفه وتذهب به إلى بنكه لصرف شيك بالملايين من «البوليفار»، الجغرافيا قد تُباعد بين الدول، لكن التجارب الإنسانية واحدة، ولهذا لكى نحافظ على «الجنيه»، لابد من رؤية وإفصاح ووضوح دون فلسفة أو فهلوة، وتذكروا «سيمون بوليفار» يقف هناك على مقربة من ديوان الحكومة..!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية