حين تحتاج إلى عملية جراحية فإنك تذهب إلى طبيب.. وحين تتعطل سيارتك فإنك تذهب بها إلى ميكانيكى. ولكن ما يحدث عندنا فى مصر عادة أن نذهب إلى الطبيب بسيارتنا المعطلة. ونذهب إلى الميكانيكى حين نحتاج إلى عملية جراحية.
فبالنظر إلى أسماء المحافظين عندنا وخبراتهم السابقة التى تولوا بمقتضاها وظيفة المحافظ تتضح لنا هذه المشكلة جلية ودون لبس. فلم يكن العيب فى محافظ الإسكندرية المقال – أو المستقيل – ولكن العيب كان فى المحافظة ذاتها، التى كانت تحتاج إلى ميكانيكى فأرسلنا إليها «سواق» ليقود سيارة معطلة تحتاج إلى عمرة كاملة لكى تصلح للعمل والسير بها إلى الأمام.
ولم تكن إمكانيات أو مؤهلات المحافظ المقال تسمح له بأكثر من الجلوس على مقعد القيادة فى سيارة مؤهلة بالفعل للعمل. بينما كانت الإسكندرية قد أصبحت غابة كثيفة من الخرسانة المسلحة بأبراج شاهقة سمح بإنشائها أصحاب الضمائر الفاسدة بصرف النظر عن الآثار الضارة التى ستلحقها بالبنية التحتية لمدينة تعرضت للتشويه العمرانى فى السنوات الماضية. فكانت تحتاج إلى «ميكانيكى مدن» وليس مجرد محافظ. وإذا كان هناك من يستحق الإقالة بالفعل فهم رؤساء الأحياء من السادة اللواءات الذين سمحوا بتشويه المدينة وبناء تلك الأبراج قبل أن يأتيها المحافظ المقال. هؤلاء هم الذين ساهموا فى تخريب السيارة سواء بالتواطؤ عمدا. أو بالإهمال غفلا.
أما إقالة المحافظ مع الإبقاء على هؤلاء ليكملوا ما بدأوه إفسادا تحت قيادة محافظ جديد، فلن يغير من الأمر شيئا بل ويزيد الحال سوءا على ما هو عليه. طالما بقينا نعالج مشاكلنا بتغيير السائق وليس بإصلاح السيارة، متجاهلين السبب الحقيقى للمشكلة، بعلاج العرض وليس المرض، فما تحتاجه الإسكندرية هو ما تحتاجه مصر كلها. ليس مجرد سائق يجلس على عجلة القيادة فى سيارة خربانة أصبحت فى حاجة إلى عمرة كاملة. وليس مجرد «رشة دوكو» كما يحدث الآن.
المحافظ الذى فشل فى الإسكندرية كان يمكن أن ينجح فى الغردقة أو شرم الشيخ. واللواء الذى نجح فى إدارة فرقة عسكرية قد يفشل فى إدارة أحد الأحياء بإحدى المدن. والطبيب العالمى قد يفشل فى علاج دجاجة مريضه. وقد قالوا قديما «إدى العيش لخبازه» أما حديثا فقد قالوا «الرجل المناسب فى المكان المناسب». فلن يفلح السائق الماهر فى قيادة سيارة معطلة. ولا السيارة يمكنها أن تسير بدون ميكانيكى مهما بلغت مهارة السواق!!