مع أن المؤشرات غير الرسمية لنتائج الجولة الأولى من انتخابات مجلس النواب، التى نشرتها الصحف أمس، تبدو متناقضة، إلا أن الفروق بينها وبين النتائج الرسمية لهذه الجولة، التى يفترض أن تكون بين يدى القارئ اليوم، لن تكون - فى تقديرى - كبيرة، على نحو يحول بينى وبين الاستناد إليها لقراءة أهم الدلائل التى تكشف عنها.
أكثر هذه المؤشرات غير الرسمية أهمية، وأبلغها دلالة، أنها جاءت مخالفة لمعظم - إن لم يكن كل - النبوءات التى بنى عليها المحللون السياسيون توقعاتهم لتركيبة المجلس النيابى القادم، حين جزموا بأن المرشحين المستقلين الذين يمثلون 65٪ من المرشحين، سوف يفوزون بأغلبية المقاعد فى هذه الجولة من الانتخابات، وبالتالى فى الجولة الثانية منها، وأن الأحزاب سوف تخرج من مولد الانتخابات بلا حمص، فإذا بالنتائج تؤكد - على العكس من ذلك - أن الذين فازوا بالأغلبية فى هذه الجولة، هم مرشحو الأحزاب السياسية، الذين فازوا - طبقاً للمؤشرات الأولية، بنسب تتراوح بين 52٪ و58٪ من المقاعد، بينما تراوحت نسبة المقاعد التى حصل عليها المستقلون بين 42٪ و48٪ من المقاعد.
وبصرف النظر عن الأسباب التى استندت إليها تقديرات هذه الصحف، فإن هذه المؤشرات تقترب بنا من احتمال أن تكون الأغلبية فى المجلس القادم للنواب الحزبيين، وليس للنواب المستقلين، خاصة الذين لا ينتمون منهم لتيارات سياسية، أو الذين ليس لهم تاريخ فى الاهتمام بالشأن العام.
والحقيقة أن فوز مثل هذا النمط غير المنتمى من المستقلين بأغلبية مقاعد مجلس النواب، لا يشكل - فحسب - مخالفة صريحة للدستور الذى ينص فى المادة الخامسة منه على أن «يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها»، ويحول دون تطور ونمو الأحزاب السياسية، ودون إقبال المواطنين على تشكيل جماعات سياسية.. بل ينطوى - كذلك - على خطر أن يتشكل من هؤلاء قاعدة لإعادة إحياء وتنظيم رابطة صناع الطغاة، التى حالت - حتى اليوم - بين مصر وبين أن تتطور إلى بلد ديمقراطى طبقاً للمعايير الدولية!
وإذا كان من حقنا أن نتفاءل بتقدم مرشحى الأحزاب على المستقلين غير المنتمين، فى مؤشرات النتائج شبه النهائية للمرحلة الأولى من هذه الانتخابات، فمن واجب الإعلاميين المصريين أن يدركوا أن الحملات المنظمة التى تشنها عناصر منهم ضد الحزبية والأحزاب السياسية، والتى تروج للأفكار والآراء التى تصف هذه الأحزاب بأنها كرتونية، والتى تشعل نيران الصراعات بين صفوفها، وتتشفى فى كل تصدع تنظيمى يلحق بها، وتبشر برؤى ساذجة وخاطئة من نوع أننا جميعاً مصريون، لا يجوز لنا أن نتحزب بين يمين ويسار ووسط، وتعلق فأس عزوف المواطنين عن المشاركة فى الانتخابات العامة، فى عنق هذه الأحزاب - هى حملات، مهما كان حسن نية الذين ينظمونها، لا تنطوى فحسب على جهل فاحش، يتجاهل أصحابه أنه لا ديمقراطية حقيقية دون تعددية حزبية، بل تسفر فى النهاية عن تقويض أهم أعمدة الديمقراطية، وهى التعددية الحزبية، وتمهد الأرض أمام الفاشية الدينية، التى سيكون رد ما تفعله هو أن تغلق الصحف وتسود الشاشات!
ومن واجب الناخبين الذين عزف بعضهم عن المشاركة فى المرحلة الأولى من هذه الانتخابات، ألا يكرروا - فى الجولة الثانية - الخطأ الذى وقع فيه هؤلاء، وأن يدركوا أن الفرصة لاتزال سانحة أمامهم، لاستدراك هذا الخطأ، ولتعظيم المكاسب التى تحققت فى المرحلة الأولى، ومن بينها أن الانتخابات جرت فى مناخ من الاستقرار والأمن والحرية والنزاهة.
ومن واجب الأحزاب السياسية التى ستخوض الجولة الثانية من هذه الانتخابات أن تكثف جهودها لحشد الناخبين، وللتغلب على عوامل الإحباط التى حالت دون مشاركتهم فيها بالقدر الكافى، ولإعادة ترتيب صفوفها، والتنسيق فيما بينها، بحيث تخوضها متآلفة لا متنافسة، لتحصد أغلبية ملموسة من المقاعد، تسفر عن مجلس نيابى حقيقى، يتشكل من جماعات سياسية منظمة.. موحدة الرؤية، موحدة الإرادة، تصون المشتركات الوطنية بين المصريين كما صاغوها فى دستورهم، وتعبر - فى الوقت نفسه - عن التنوع الطبيعى فى المصالح والآراء فيما بينهم، لتصبح مصر داراً للمصريين جميعاً، تضمن لهم المساواة فى الحقوق السياسية والاجتماعية، وتلزمهم بأداء كل الواجبات والتكاليف العامة، دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين أو المعتقد السياسى!