x

عبد الناصر سلامة أجواء ما قبل ٢٥ يناير عبد الناصر سلامة الأربعاء 28-10-2015 21:22


بالتأكيد وفى مثل هذه الظروف، والاتهامات الجاهزة، والاستقطاب غير المسبوق، والاهتراء العام، حينما تريد الحديث أو الكتابة فى أى موضوع شائك يجب أن تُقسم بالطلاق يمينا ثلاثى الأبعاد أنك لا تنتمى لا إلى الإخوان، ولا إلى السلفيين، ولا إلى القاعدة، ولا الواقفة، ولا أى شىء من هذا القبيل، وفى رأى آخر يجب أيضا أن تُقسم بأنك تحب الرئيس عبدالفتاح السيسى حُباً جماً، وأنك انتخبته رئيساً، ولا تُكن له أى بغضاء من أى نوع، لا هو ولا أى أحد من رجالاته المقربين، وبالذات الزملاء والأصدقاء.

بالنسبة لى تحديدا سوف أُقسم اليمين ثلاثى الأبعاد فقط، وأقول وبالله التوفيق، وعلى الله قصد السبيل، إن أجواء ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ أصبحت حالة مصرية خالصة الآن، فى الشارع، كما فى المكاتب الحكومية والخاصة، كما فى المقاهى، كما فى البيوت، كما فى العلاقات العامة والأُسرية، كما فى التناول الإعلامى، كما فى تحليلات العالم الخارجى، من مراقبين وسياسيين، ليس ذلك من باب الرفاهية مثلا، أو حتى لأن التغيير بالنسبة إلينا أصبح حالة مَرَضية، وإنما لأن كل دواعى ومبررات ٢٥ يناير أصبحت تُلقى بظلالها الآن على كل مناحى الحياة، بل ما هو أكثر من ذلك بكثير.

ولنعد بالذاكرة إلى ذلك التاريخ، لنتذكر المطالب الثلاثة، عيش- حرية- عدالة اجتماعية، ليشير إلينا أحد اللوذعيين، أو الاستراتيجيين العظام على ما تغير فى هذا الشأن، بالتأكيد سوف نجد تغيرا كبيرا حدث خلال العامين الماضيين تحديدا، فى الأولى ارتفعت الأسعار ارتفاعا غير مسبوق، بالتوازى مع تدهور قيمة العملة المحلية، وفى الثانية كانت الاحتجاجات والمظاهرات فى كل مكان، الآن أصبحت مجرّمة بقانون، وفى الثالثة كان الفساد للرُكب، أصبح الآن للأعناق.

إذن، ما الذى يحول بيننا وبين ٢٥ يناير جديدة؟ خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار، إضافة إلى ما تقدم، وجود عشرات الآلاف فى السجون، بعد أن كانت سجون مصر شبه خالية، بل وأنشأنا منها المزيد، وذلك التدهور الاقتصادى غير المسبوق، بعد أن كانت نسبة النمو قد بلغت ٨٪‏، وارتفاع أرقام الدين، داخليا وخارجيا، وزيادة العجز فى الموازنة العامة للدولة، وانخفاض الاحتياطى الاستراتيجى من العملة الصعبة، وتدهور حال المرافق، وسوء حال الخدمات، أضف إلى ذلك العودة الغبية للشرطة، بفساد لم يكن معهودا من قبل، وأما عن الانتخابات البرلمانية فحدث ولا حرج، والتى كانت القشة التى قصمت ظهر البعير فى ٢٠١٠ و٢٠١١.

هو نداء إلى أولى الأمر، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، هى صرخة لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، من حق الشعب أن يعى أن هناك خطة علمية للتعامل مع المرحلة المقبلة، خمسية كانت أو عشرية، أو أياً كانت، ما هى خطة الحكومة لإصلاح منظومة التعليم، لإنقاذ منظومة الصحة، لمحاربة الفساد، لتطهير جهاز الشرطة، لوقف تلفيق القضايا، لوقف التعذيب بالسجون، لمحاسبة المسؤولين عن حالات الوفاة جراء ذلك، لوقف التعيينات فى الوظائف العليا بعد الخروج إلى المعاش، خاصة فيما يتعلق بفئات بعينها، لاسترداد أراضى الدولة المنهوبة، لإصلاح منظومة الإعلام، للفصل بين السياسة والقضاء، لترشيد الحياة الحزبية، للقضاء على المحسوبية؟!

كما أن من حق المواطن أيضاً أن يجد إجابة عن هذه الأسئلة: ما هى خطة الدولة للنهوض بالاقتصاد، لضبط الأسعار، لتحسين الرواتب، لإعادة الكرامة إلى الجنيه، لعودة السياحة، لزيادة الناتج القومى، للقضاء على العشوائيات، التشرد، التسول، صلاحية الغذاء، صلاحية الدواء، مياه الشرب، الطرق، المواصلات، العدالة فى التعيينات، فى القبول بالكليات العسكرية، فى الوظائف السيادية، العدالة الاجتماعية بصفة عامة، المعاشات، التأمينات، حقوق الطفل، رعاية الأيتام، المسنين، حقوق المزارعين، تسويق محاصيلهم، حقوق العمال فى الداخل والخارج؟

لم نتناول هنا قضية مياه النيل، والسدود التى تهددها، ولم نتناول قضية الغاز فى البحر المتوسط، والاتفاقيات التى تبخسنا، ولم نتناول الأولويات فى المشاريع الصغرى والكبرى، وتجاهل الدراسات العلمية فى هذا الشأن، فقط نطالب بسياسات واضحة تجاه كل ما طرحناه، حتى يمكن أن يطمئن المواطن على يومه وغده، فقط نطالب بإعلان هذه السياسات للمواطن المأزوم بطبيعة الحال اجتماعيا، لا يمكن بأى حال التعامل مع كل حالة حسبما تقتضى الظروف، بإقالة هذا، أو التضحية بذاك، لا يمكن بأى حال أن تقوم سياسة دولة، أو اقتصادها على الدروشة، أو اليوم بيومه.

بالفعل، من حق ٢٥ يناير جديدة أن تطل برأسها الآن إذا كُنا سوف نظل نتجاهل هذه المطالب، اعتماداً على كلام معسول، أو تحذيرات من حالات العراق وسوريا، أو حتى أفغانستان، لن نطالب بأن يحنو أحد على الشعب، بمنحه قبلات لا تسمن ولا تغنى من جوع، وإذا كانت هناك بعض أحاديث الفضائيات تمهد الآن لزيادة أسعار، أو لرفع دعم، وذلك بوازع من المسؤولين، فإنها دون أن تدرى تصب أيضا فى نفس اتجاه أحاديث فضائيات أخرى أصبحت تُمهد لـ٢٥ يناير جديدة، بوازع من أصحابها، كعادتها دائماً بعد أن توقن أن العد التنازلى قد بدأ.

وكما كانت الدولة الرسمية فى غيبوبة قبل ٢٥ يناير، فقد بدت عليها للأسف نفس الأعراض الآن.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية