أمر غريب تلك الخلافات الحاصلة فى زماننا هذا بين طوائف المسلمين، أمر غريب ذلك التطور فى الخلافات الفقهية لدينا فى مصر تحديدا، أمر غريب تلك الأزمة التى يعيشها المجتمع هذه الأيام حول سيدنا الحسين، رضى الله عنه، حفيد الرسول- صلى الله عليه وسلم- حول زيارته، حول الاحتفاء به من عدمه فى ذكرى استشهاده، ذكرى عاشوراء، حول طريقة الاحتفاء به، حول طريقة الاحتفاء بغيره من آل بيت النبوة، الاحتفاء بالأولياء أيضاً، زيارة الأضرحة عموما، التبرك بها. شد الرحال إليها، إلى احتفالاتها، إلى غير ذلك من أمور كثيرة، تندرج فى معظمها تحت باب الاجتهادات، ولكلٍ حُجّته، والاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، هكذا تعلمنا من الأولين.
أهم ما تعلمناه شرعاً، أن أهل الكتاب، أى غير المسلمين، ليسوا أعداءً (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)، فما بالنا بأهل الملة الواحدة؟.
بالتأكيد هناك خلافات فى تفسير بعض الآيات القرآنية، كما هناك خلافات فى تناول الأحكام الفقهية، بنص القرآن الكريم (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) سورة البقرة، وبنص القرآن الكريم (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامعُ وَبِيَعُُ وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) سورة الحج، وفى شأن آخر قال الله تعالى (ولو شاء الله لجعل الناس أُمّةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم رَبُّك) سورة هود، وقال تعالى (ولو شئنا لآتينا كل نفس هُداها ولكن حق القول منى لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين) سورة السجدة.
هناك أمم من حولنا تعبد النار، وهناك من يعبدون البقر، وهناك من يعبدون الشمس، إلى غير ذلك من أمور كثيرة، من البديهى أن نعتبرها خارجة عن نطاق العقل، فى وجود إله واحد خالق للكون، إلا أن كل ذلك يدخل فى إطار (ولولا دفع الله الناس)، يندرج أيضا تحت قاعدة (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة)، هكذا كانت إرادة الله، الذى لا راد لقضائه، وإلا لما قال (لأملأن جهنم من الجنة والناس)، من أين سيأتى هؤلاء الناس إذا لم يكن هناك عُصاة، هى مشيئته إذن.
المقصود هنا، أن الخلاف والاختلاف رحمة من الله بعباده، ولو أراد ربُنا لجعلَنا جميعا على ملة واحدة، أو على مذهب واحد، كما أن الثواب والعقاب، والجنة والنار، إنما هو اختصاص إلهى أصيل، لا شأن لأحد به، فلا يحق لأحد بأى حال فرض عقيدته على من حوله، سواء تعلق الأمر بدولة، أو بجماعة، أو بأفراد، ما الذى حدث إذن حتى تصل الأوضاع داخل العقيدة الواحدة إلى هذا الحد.
علينا فقط بالحكمة والموعظة الحسنة أن ندعو الناس إلى الدين الحق، كما علينا تبصير بعض الشاردين مِنَّا بأمور الدين الصحيح، علينا أيضا قبل هذا وذاك أن نكون قدوة لهؤلاء وأولئك، ما يجرى اليوم من حولنا لا علاقة له بكل ذلك، فلا أهل الأديان الأخرى خاطبناهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تخاطبنا مع بعضنا البعض بما يرضى الله ورسوله، هناك إذن شىء ما خطأ.
هذا الخطأ تجسد خلال الأيام الأخيرة فى احتفالات ذكرى عاشوراء، فى إحياء ذكرى استشهاد الحسين، مما أسفر عن غلق الضريح ثلاثة أيام متتالية درءاً للفتنة، التى تتمثل هنا فى أنواع من الاحتفالات لم يألفها المجتمع، يقوم بها بعض أصحاب المذهب الشيعى، تسببت من قبل فى صدامات مع بعض السلفيين من أهل السنة.
هو إجراء من وزارة الأوقاف لم يستهدف أبداً النيل من قدر حفيد رسول الله، الذى تحتفى به كل مصر، وإلا لما كان هذا المسجد الأكثر بهاءً بين غيره من المساجد، أو هذا الضريح الأكثر فخامة بين غيره من الأضرحة، أو ذلك المولد السنوى الأكثر ضخامة بين غيره من موالد آل البيت وأولياء الله الصالحين، هو إجراء استهدف فقط تجنب الفتن، ومنع وقوع مزيد من الأزمات فى هذا الشأن.
إلا أن ما بدا واضحاً من خلال ردود الأفعال الخارجية والداخلية معا، أن وزارة الأوقاف لم تستطع، أو لم تحاول توضيح أسباب هذا الإجراء الذى اعتبره أصحاب المذهب الشيعى فى أنحاء العالم الإسلامى إهانة واستهانة بهم وبرمز دينى، ربما هو بالنسبة إليهم الأهم بين الرموز الأخرى، ولأننا كنا فى غنى عن مثل هذه المواقف، كان يجب أن يكون هناك بيان رسمى أو أكثر، من الأوقاف، وما هو أكثر من الأوقاف، يشرح ذلك باستفاضة، لأن ما هو شائع الآن، هو أن الإغلاق استهدف منع الاحتفالات التى لا تروق لأهل السنة، وكأنها حالة مزاجية، لا أكثر ولا أقل.
فى بلد الأزهر أيها السادة، يجب أن تسود روح الوسطية فى التعامل مع مختلف الطوائف، وإذا كان الأزهر يتعامل بهذه الروح مع أصحاب الملل الأخرى، وغيرها من اللا ملل، فبالأولى أن نتعامل كذلك مع بعضنا البعض، وأعتقد أن ذلك القصور فى الطرح والفهم هو الذى جعل هناك انتشاراً فى السنوات الأخيرة لهذه الطائفة أو تلك، من الشيعة وغيرها من الطوائف الدخيلة على مجتمعنا، فعلينا إذن تحمُّل النتائج، خاصة إذا كُنا قد قصّرنا أيضا فى تداركها قبل استفحالها، نتيجة عوامل عديدة.