x

مي عزام فى كل مكان.. فتِّش عن أمريكا والإعلام مي عزام الأربعاء 28-10-2015 21:18


العالم قرية صغيرة، أكثر مما تتصور، فما يحدث فى جواتيمالا ليس بعيدا عما

يحدث فى مصر وغيرها، اللامعقول لا ينتشر فى مصر وحدها، ولكنه سمة هذه المرحلة الضبابية التى يعيشها العالم وتتكالب فيها الدول العظمى على الاحتفاظ بمكانها ومكانتها، وكذلك تفعل الأنظمة الحاكمة ومؤسساتها العلنية والخفية التى تتحالف مع الميديا لتشكل العقل والوجدان العالمى.

فى الواقع لا يظهر على السطح سوى قمة جبل الجليد، ولا يبدو على المسرح سوى عرائس (المريونات) التى تتلاعب بها أيدٍ خفية، لكن فى الحقيقة ما خفى هو الأعظم، شعوب العالم ألعوبة فى أيدى من يديرونه بخبث ودهاء.

جاء الربيع العربى بالعواصف التى اقتلعت أنظمة استبدادية عفى عليها الزمن، انهيار الأنظمة أدى إلى فوضى، وفراغ سياسى تسبب فى صعود الإسلام السياسى إلى الحكم، وتحول الأمر إلى حروب أهلية وصراعات أجهزة استخباراتية، مهّدت الطريق لظهور جماعات إرهابية عميلة توحشت لدرجة الجرأة على قضم يد سيدها.

الفوضى الخلاقة تحولت لفخ انزلقت فيه أمريكا وإن كانت الأخيرة تعتبر الشرق الأوسط من مناطق نفوذها، فهى تعتبر دول أمريكا الجنوبية حديقتها الخلفية التى لا تسمح لغريب بالاقتراب من أسوارها.

كان لأمريكا دائما يد فى الإطاحة بأى نظام يهدد مصالحها، واتخذت من الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية ودعم العصابات وسائل لذلك، ولكن لأن الدول المتقدمة تتعلم من أخطائها، فلقد تراجعت عن أسلوبها التقليدى مؤخرا فى جواتيمالا، البلد كان على وشك ثورة شعبية يمكن أن تصل شظاياها إلى الولايات المتحدة بسبب تردى الأحوال المعيشية والفساد وتجارة المخدرات، بالإضافة لمشكلة الهجرة غير الشرعية، أمريكا ساندت السلطة القضائية فى جواتيمالا ودعمت بقوة لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والإفلات من العقاب، التى نجحت فى توقيف الرئيس السابق أوتو بيريز مولينا، بعد أن ثبّت ضلوعه فى قضية فساد كبرى بالجمارك، أهم ما فى الموضوع توقيت القبض على الرئيس، والذى كان قبل الانتخابات الرئاسية بفترة قصيرة.

فى المقابل كان يتم إعداد بديل، وجه مألوف للمشاهدين وهو الممثل الكوميدى جيمى موراليس (46 سنة)، الذى كان يقدم هو أخاه على مدار 14 عاما برنامجا كوميديا بعنوان «الموراليس»، وهو دارس لإدارة الأعمال ـ متزوج وله أربعة أبناء من وسط فقير محافظ أخلاقيا وليس لديه ما يشينه.

تم التخطيط لكل شىء بدقة، انضم جيمى لجبهة الوفاق الوطنى عام 2013 وأصبح أمينها العام بعد فترة وجيزة، ثم تحولت الجبهة لحزب، العام الماضى ترك عمله التليفزيونى ليتفرغ لحملته الرئاسية، وكان ذلك مثارا للسخرية، فمن سينتخب مرشحا ليس لديه خلفية سياسية، وحزبه ليس له شعبية أو تاريخ سياسى، ولكن جاء الكشف عن فضيحة الفساد فى التوقيت المناسب والمعد سلفا ليقلب الموازين رأسا على عقب.

ولابد من الإشارة إلى عاملين ساهما فى نجاح موراليس: الأول دعم الجيش له، والثانى مساندة غير محدودة من وسائل الإعلام، تم الإعداد لظهوره بكثافة بصورة جديدة فى البرامج الحوارية التلفزيونية والإذاعية ذات نسب المتابعة الكبيرة، وبالرغم من أنه لم يقدم برنامجا انتخابيا يذكر، ولم يشرح كيف سيحكم البلاد، إلا أن الميديا قدمته على أنه مخلص البلاد من الفساد، وكان الرد المدهش على مقولة «موراليس ليس مؤهلاً للرئاسة»: هذا هو المطلوب، شخص لا يعرف كيف يعمل النظام السياسى الفاسد، وأصبحت النغمة السائدة فى الإعلام «إننا تعبنا من نفس الوجوه»، «جيمى موراليس غير مقنع حقا، لكنه هو الخيار الوحيد».

تم تجهيز العامة تماما، وذهب الناخبون الجواتيماليون إلى الانتخابات الرئاسية، وهم عازمون على توجيه صفعة قوية لكل الطبقة السياسية فى بلادهم، وصوّتوا لمن كسب تعاطفهم بكونه رجلا بعيدا عن السياسة وألاعيبها.

وبقى السؤال الذى طرحه عدد من وسائل الإعلام الأمريكية وأصوات من جواتيمالا: كيف يمكن لرجل مثل هذا الفوز فى الانتخابات الرئاسية؟ هنروح بعيد ليه، نفس السؤال كيف تمكن «عبدالرحيم على» من الفوز بمقعد فى البرلمان؟، الأمثال كثيرة عندنا وعند غيرنا ونصيحتى لكم جميعا «يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم».

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية