سؤال واحد كان يملأ عقلى، طوال أيام خمسة قضيتها فى باريس، وكان كالآتى: ما الذى بالضبط يجعل فرنسا هى الدولة الأولى فى العالم، من حيث عدد السياح الذين يذهبون إليها فى كل عام؟!
إن فى العالم عشر دول، هى الأعلى سياحياً بين جميع الدول، وهذه الدول العشر تبدأ من فرنسا، والولايات المتحدة، وإسبانيا، وتمر بالصين، وإيطاليا، وتركيا، وتنتهى بألمانيا، وبريطانيا، وروسيا، ثم تايلاند!
فإذا جعلنا كلامنا فى حدود فرنسا وحدها، اكتشفنا أن 85 مليوناً من السياح يحجون إليها فى كل سنة، بما يعنى أن سياحها أكثر من عدد سكانها الذين يقتربون من السبعين مليوناً!
نحن فى مصر نخطط لأن يكون نصيبنا من حركة السياحة عالمياً فى حدود 20 مليوناً، خلال عام 2020، ولكنهم فى باريس يخططون، منذ الآن، لأن يصل عدد سياحهم، فى العام نفسه، إلى مائة مليون، وليس غريباً بالتالى أن يكون عائد السياحة عندهم، يكاد يفوق عائد صناعة السيارات نفسها!
تسأل نفسك: ما الذى جعلهم فى هذا الموقع الفريد سياحياً، ثم ما الذى فى المقابل جعلنا فى موقع أقل بكثير، مع أن عندنا، من الإمكانات السياحية، ما يجعلنا نتقدم عنهم خطوات وخطوات، فلا تصل إلى جواب!
إنها ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن سياحتنا، وكيف أنها، من حيث حجمها الحالى، أو حتى السابق فيما قبل 25 يناير 2011، عندما وصل الرقم إلى 15 مليوناً، لا تليق بنا، ولا يليق بها!
إن خبراءها المحترفين، ورجالها الكبار، كصناعة، يرون أننا نستطيع، فى خلال عام من الآن، أن نصل بحصتنا من سياحة العالم إلى 30 مليوناً، ولكن ذلك، رغم سهولته، فى حاجة إلى شىء من الفهم، وشىء من التخطيط، وشىء من العقل!
سألت واحداً هنا، وآخر هناك، فى باريس، عن السبب الذى وصل بالحصة عندهم إلى هذا الرقم، فاتفقت الإجابات على أن الناس المسؤولين فى فرنسا يفهمون جيداً أن السياحة صناعة متكاملة، ويعملون من أجلها على هذا الأساس، ويعرفون، تمام المعرفة، أن نجاحك كدولة، سياحياً، معتمد بالدرجة الأولى على نجاحك فى إقناع السائح المغادر بأن يعود مرة أخرى، لا أن تكون هذه هى المرة الأخيرة التى يأتى فيها إليك.. وسوف يكون نجاحك مضاعفاً، إذا نجحت فى أن تقنعه، ليس فقط بأن يعود هو، ولكن بأن يعود، ثم يدعو غيره لأن يزورك معه!
سمعت مرة من رجل سياحة كبير أن السياحة ببساطة هى وعد منك، كبلد، بأن يقضى السائح وقتاً طيباً عندك، فإذا ما تحول السائح إلى فريسة، منذ أن يهبط المطار، إلى أن يعود منه، فأنت فى الحقيقة قد أخللت بوعدك معه، ولا لوم عليه فى ألا يعود، وفى أن يدعو غيره من أجل ألا يأتى!
كل الأسباب ترشحنا لأن نكون بين الدول العشر التى ذكرتها، فلا شىء عندهم فى الدول العشر ليس عندنا، اللهم إلا المخ الذى يبدو أنه قد شح فى الأسواق هذه الأيام.