x

جيهان فوزي «بهاء».. ووصاياه العشر جيهان فوزي الجمعة 23-10-2015 20:10


«بهاء عليان» شاب مقدسى وناشط سياسى واجتماعى مثقف، هو ابن جبل المكبر في القدس كان يفكر في كل حرف يكتبه أو فعل يفعله، دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية، باجرائه أطول سلسلة قراءة في العالم قام بها حول سور القدس، «بهاء» كان أحد منفذى عملية إطلاق النار داخل حافلة في القدس المحتلة الأسبوع الماضى، ترك رسالة للفلسطينيين قبيل استشهاده عنونها ب «الوصايا العشر» قال فيها أجمل وأهم ما يمكن أن يقال ليسير الشباب على دربه من بعده، لخصها بأن استشهاده لم يكن منة على الوطن وإنما واجب مقدس تحتمه ظروف الاحتلال .

أوصى «بهاء» في رسالته الفصائل الفلسطينية بعدم تبنى استشهاده، فموته كان للوطن وليس لهم! لايريد بوسترات (ملصقات) ولا «تى شيرتات» فلن تكون ذكراه في بوستر معلق على الجدران فقط! أوصاهم بأمه «لا ترهقوها بأسئلتكم التي تهدف إلى استعطاف مشاعر المشاهدين ليس أكثر! طالبهم بعدم زرع الحقد في قلب ابنه»اتركوه يكتشف وطنه ويموت من أجل وطنه وليس من أجل الانتقام لموتى«! يقول: إن أرادوا هدم بيتى فليهدموه فالحجر لن يكون أغلى من روح خلقها ربى»! «لاتحزنوا على استشهادى، احزنوا على ما سيجرى لكم من بعدى»!! «لاتبحثوا على ما كتبته قبل استشهادى، ابحثوا عما وراء استشهادى»، «لاتهتفوا بمسيرة جنازتى وتتدافعوا، بل كونوا على وضوء أثناء صلاة الجنازة وليس أكثر»!! «لاتجعلوا منى رقما من الأرقام، تعدونه اليوم وتنسونه غدا»!! وأختتم وصيته «أراكم في الجنة» .

الفرق بين «الشهيد بهاء» و«المستوطن» الذي يغتصب الأرض والعرض شاسع، بهاء لم يكن موته مجانيا كان يحمل بين حناياه هدف وقضية، ضحى بروحه من أجلهما، وحتى لحظاته الأخيرة كان يفكر كيف سينشأ ابنه من بعده «لاتزرعوا الحقد في قلب ابنى، اتركوه يكتشف وطنه ويموت من أجله وليس من أجل الانتقام لموتى»، بهاء مات بشرف دفاعا عن أرضه السليبة، بينما المستوطن الغاصب تربى ونشأ على الحقد وشهوة الانتقام والقتل والاستيلاء على الأرض دون وجه حق، يرضع أولاده الكراهية ويرسخ عقيدة الانتقام ويزور الحقيقة، يغرس داخلهم كيف يكون أمانهم بقتل جيرانهم أصحاب الحق الذين هم أعدائهم ..«وجودنا وأماننا مرهون بقتلهم وفنائهم»، هي شريعة الغاب التي قامت عليها العقيدة الصهيونية، ونسجت خيوطها في عقل ووجدان كل يهودى يعيش على أرض فلسطين منذ نعومة أظفاره .

بهاء نموذج مشرف للمقاومة ولانتفاضة يقودها الشباب المقدسى وصاحب حق آمن بعدالة قضيته، لا تضله الأكاذيب التي تشيعها اسرائيل لاستقطاب التعاطف الدولى بالباطل، وصايا بهاء لا يفهمها محتل ولا مستوطن، لايتعامل معها المجتمع الدولى على أنها حق لا بد من استرجاعه، بل ينظر لها بعين غائمة لاترى فيها سوى الارهاب الذي يجتاح اسرائيل ويثير الفزع بين مواطنيها الآمنيين، فكانت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون» أثناء زيارته للمنطقة بأنه «يتفهم غضب الاسرائييلين من الهجمات عندما يكون الاطفال خائفيين من الذهاب إلى المدرسة وكل شخص في الشارع ضحية محتملة»!! متسقة تماما مع الأفكار التي تصدرها اسرائيل للمجتمع الدولى حول الوضع القائم في الأراضى المحتلة؟ وكأن الاسرائيليين وأطفالهم هم من يعيشون الارهاب ؟! حينما يغض الطرف عن ارهاب المستوطنيين صباح مساء ضد الفلسطينيين وقتل أطفالهم والتنكيل بجثثهم دون تردد بمشاركة ومباركة جنود الاحتلال في دولة باغية تفتقر لكل المعايير الاخلاقية التي كفلتها المواثيق والمعاهدات الدولية !!

وعندما يوجه «كى مون» كلمته للفلسطينيين قائلا:«أعرف أن آمالكم في السلام انهارت عدة مرات وأنكم غاضبون من الاحتلال والتوسع الاستيطانى لافتا إلى أهمية الطريق السلمى للتغيير»، فهو يدرك جيدا حجم معاناة الشعب الفلسطينى ومع ذلك لا يطرح الحلول ولا يدين المحتل!! فماذا قدمت الأمم المتحدة لانهاء معاناته ؟! ماهى الاجراءات الحاسمة والملزمة التي اتخذتها ضد ممارسات اسرائيل العدوانية سواء استمرار الاستيطان أو شن الحروب على الاراضى المحتلة أو القتل والحرق على الهوية ؟! ماذا فعلت لمجرمى الحرب من ضباط وجنود الجيش الاسرائيلى وقطعان المستوطنيين سوى اصدار بيانات الادانة والاستنكار والدعوة إلى التهدئة ؟! ومن أجل من التهدئة ؟! فهى في النهاية لا تصب إلا في مصلحة اسرائيل وأمنها .

وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يطالب الفلسطينيين بتهدئة الأوضاع، فالأولى به أن يطالب اسرائيل أولا بوقف أسباب الانفجار، واتخاذ اجراءات أكثر حزما لوقف الاعتداءات الممنهجة على الشعب الفلسطينى، كان على «كى مون» أن يقرأ ويتعمق في مغزى وصايا بهاء التي تلخص قضية شعب سلب حقه في الحياة بكرامة مثل بقية شعوب الأرض ومطالب بأن يكون مسالما وادعا!! لا يدافع عن بحقوقه أو يطالب بها وهو أضعف الايمان، وللأسف ساوى الامين العام للامم المتحدة الضحية بالجلاد، ولم يتغير خطابه، بل كرس بتجاهله طرح حلول جذرية رغبة عارمة لمواصلة ما بدأووه، فتصريحاته لم تخرج عن كونها أحاديث للعلاقات العامة فارغة من أي مضمون، والتى لا تعبر عن رؤية أو تفهم حقيقى لأوجاع الفلسطينيين ومعاناتهم التي طال أمدها ولم يعدوا قادرين على تحمل أعبائها أكثر من ذلك .

ربما تكون وصايا بهاء العشر أعمق وأكثر تأثيرا في صنع المستقبل الفلسطينى، من كلمات أكبر مسؤول دولى كان قادرا على وضع حدا للارهاصات الفكرية والسياسية المعقدة التي ستضع المنطقة برمتها على حافة بركان .

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية