x

جيهان فوزي «شالوم .. شالوم» يا أرض العسل جيهان فوزي الجمعة 16-10-2015 21:39


تصر الحكومة الإسرائيلية بتحد سافر تحويل أنظار المجتمع الدولى عما ترتكبه من مجازر بحق الفلسطينيين، وتصوير نفسها على أنها كبش فداء للإرهاب الفلسطينى المنظم، يحاول إعلامها تسليط الضوء على معاناة المواطنين الإسرائيليين العزل الذين أصبحوا هدفًا مستباحًا للإرهاب الفلسطينى، ولقمة سائغة لنصل السكين الذي بات يهدد أرواحهم ويؤرق مضاجعهم، فحوّل حياة كل مواطن إسرائيلى «مسالم أعزل» إلى كابوس لا يعلم متى ينتهى؟! ترتعد أوصاله صباح كل يوم وهو خارج إلى عمله وفى رأسه ألف سؤال وسؤال إذا ما كان سيعود ويلتقى بأسرته من جديد؟ فقد باتت حياته على المحك ولا يدرى متى أو أين ستأتيه الطعنة؟

الإعلام الإسرائيلى يفرد مساحات واسعة لمغازلة الضمير العالمى بقصص يفوح منها رائحة التزوير الفاضح حول ضحاياهم، تتفنن في نسج الأكاذيب وتلفيق الروايات وقلب الحقائق، فيصبح الجانى هو المجنى عليه، دراما هابطة عودنا عليها الإعلام الإسرائيلى وتصريحات المسؤولين لاستعطاف الرأى العام الدولى، وتسخير طاقاته في الدفاع عن وجودها وحماية أمنها وكيانها المهدد!!
تٌسرد القصص والحكايات بدءًا من المسعف الذي ينام مفتوح العينين وحقيبته الجاهزة بالقرب من سريره تحسبًا لأى استدعاء طارئ، والشاب الإسرائيلى الذي طعنه الإرهابى الفلسطينى المتوحش وهو يصارع الموت المجانى! وشهود العيان الذين رأوا المشاهد الدموية التي لا يستطيع أحد نسيانها أو محوها من الذاكرة! والحاجز النفسى الرهيب الذي تتركه تلك المآسى في وجدان وذاكرة المواطن الإسرائيلى!! بل ذهب إعلامهم لأكثر من ذلك فأظهر روايات وقصصًا ليهود أنقذوا عربًا اعتدى عليهم على أيدى المتطرفين والمستوطنين!!
هذا هو مرض «الإرهاب المزمن» كما يطلق عليه الإعلام الإسرائيلى، هو موجة إرهاب من منظوره مثل فيلم سيئ، يحدث أمامهم بثلاثة أبعاد، يعرفون الأبطال بسهولة القتلى، والمصابين الذين سقطوا ضحايا الكراهية، والشرطة التي قتلت «الإرهابى الفلسطينى»!! سيناريو عالى الجودة، ربما ينطلى على من يريد تصديق الرواية الإسرائيلية من ألفها إلى يائها، بينما من يعرف الخبث والمكر الذي تمارسه إسرائيل منذ نشأتها لا يمكن أن يعتمد أو يثق في روايتهم.
فمن يستطيع أن ينسى مشاهد القتل الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال على مدار احتلاله للأراضى الفلسطينية، من يستطيع نسيان مشهد قتل «محمد الدرة»؟ من يستطيع تجاهل محاولة قتل الشابة «إسراء عابد» فتاة العفولة في المحطة المركزية قبل أيام، أو يتجاهل الفيديو المصور الذي نقل الأحداث لحظة بلحظة، حين لم ترحمها صرخات الاستغاثة التي أطلقتها من رصاص الجنود دفعة واحدة، لتسقط على الأرض أمام أبنائها الثلاثة بحجة أنها تحمل سكينًا تهددهم به!! وما لبثت أن خرجت أبواق الحكومة وإعلامها باتهامها بأنها حاولت طعن جندى، رغم نفى شهود العيان وفضح الفيديوهات التي تناقلتها وسائل السوشيال ميديا التي أظهرت كذب الادعاءات الإسرائيلية، ومن ينس مشهد الطفل الملقى على الارض في القدس مخضبا بدمائه والجنود يركلونه في جسده دون رحمة ويسبونه بأفظع الألفاظ أمام الكاميرات؟!! ومن ينس «مهند الحلبى» أول شهيد لانتفاضة الأقصى ويتوالى بعده إعدام الشهيد تلو الشهيد بدم بارد!! من ينس سحل الفتيات والنساء وضربهن واعتقال الأطفال بالقوة وأخذهم من أيدى أمهاتهم؟ من ينسى فاشية المستوطنين وقتلهم الأطفال وحرقهم وهم أحياء مثل الطفل «محمد أبوخضير».
هل ذاكرة التاريخ بعين واحدة تراهن عليها إسرائيل وأعلامها!! فلا ترى سوى الجرائم الفلسطينية بحق المحتل الإسرائيلى المظلوم؟ هل أصبحت إسرائيل هي الضحية والمجنى عليه هو الجلاد؟! هل الفلسطينيون هم الذين يعتدون ليل نهار على المستوطنين ومقدساتهم، ويحرقون بيوتهم ويخطفون شبابهم ويجرفون أراضيهم ويحاصرون شوارعهم ويجوعون نساءهم؟ أم أن رد الفعل بدأ من حيث انتهى إليه الفعل؟
إسرائيل تكذب ولا تتجمل، وتراهن على قوة إعلامها وتتغافل أن الميديا أصبحت في متناول الجميع، وأن ما تستره الغرف المغلقة يفضحه كادر الكاميرا، وأنها مهما كذبت وتجملت فلكل بداية نهاية مهما عظمت المعاناة واشتد بأسها.
لقد تغافلت إسرائيل على مر عقود طويلة من الدعاية الكاذبة أنه سيأتى اليوم الذي يكفر شعبها نفسه بها وبأسباب وجودها، وإذا كان هناك من مارس حقه في الهروب من جنتها في الخفاء، فقد أصبح الآن علانية، وقد تداول مرتادو السوشيال ميديا ومواقع صهيونية مؤخرا مقطعًا من أغنية تعبر عن هذا المضمون بعنوان: شالوم شالوم «وداعا أرض العسل.. ها نحن نغادر!».
يدعو هذا المقطع للهجرة المعاكسة والهروب من إسرائيل، بعد الهزائم التي منى بها الكيان الإسرائيلى وآخرها الحرب على غزة وأسر وقتل جنود من جيش الاحتلال، هذه الدعوات للهروب من إسرائيل ليست جديدة، ولكنها أصبحت الآن تظهر علنًا وارتقت مؤخرًا إلى ظهور ما يشبه جماعة ضغط داخل وخارج إسرائيل، تقول صراحة إن حلم إسرائيل الكبرى والعيش في جنانها مجرد أكذوبة ابتدعتها آلة الإعلام الإسرائيلى الموجه، حتى تستقطب أكبر عدد ممكن من اليهود المنتشرين في دول العالم، ورغم سقوط الآلاف من الشهداء الفلسطينيين الذين كانت أرواحهم رخيصة إزاء دحر الاحتلال، إلا أن من عظم الأمور أن ينقلب السحر على الساحر، ويدرك المضللون من اليهود الذين وعدوا بجنة إسرائيل «أرض العسل» بأن جنتهم لم تكن سوى مقبرة لهم، وأن المحتل الذي يغتصب الأرض ويقيم المستوطنات لن يهنأ بها طالما بقى الاحتلال.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية