فى اتصال تليفونى من الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان، فهمت أن المليارات الخمسة، التى خصصتها الحكومة لإنشاء مرافق العاصمة الإدارية الجديدة، سوف تأتى من أموال هيئة المجتمعات العمرانية، وليس من ميزانية الدولة.
وكنت قد قلت فى هذا المكان، إن الرئيس لا يمكن أن يأتيه النوم، إذا عرف أنه فى نفس وقت تخصيص خمسة مليارات جنيه، لمرافق العاصمة الإدارية الجديدة، كانت وزارة التربية والتعليم، تشكو من أن كثافة فصول الجيزة وصلت إلى 120 تلميذاً فى الفصل الواحد!
وعندما تصل الكثافة، فى فصول الجيزة المجاورة للقاهرة، إلى هذا الحد، فمعنى ذلك أن التلاميذ يجلس بعضهم فوق بعض، لا إلى جوار بعضهم البعض، مثل سائر تلاميذ خلق الله فى أنحاء الأرض، وإذا كان الوزير مدبولى قد صحح لى أن المبلغ من ميزانية هيئة المجتمعات العمرانية، وليس من الميزانية العامة، فإننى أشكره بالطبع، ثم أقول إن الأمر فى النهاية، أمر مال عام، سواء يتبع هذه الجهة، أو تلك، أو يتبع الميزانية العامة.. إذ المهم، أن نعرف كيف نوجه إنفاق المال العام، بحيث يجرى إنفاقه فى مكانه الصحيح، حتى ولو كان جنيهاً واحداً، فما بالنا إذا كان خمسة مليارات مرة واحدة.. يعنى رقم خمسة وأمامه تسعة أصفار، لتوصيل المياه - مثلاً - للمدينة، فى وقت تنقطع فيه المياه نفسها عن أكتوبر، وفيصل، والهرم، وأسيوط!
سوف أعود للموضوع لاحقاً، ولكنى أريد اليوم أن أضع رسالة جاءتنى، أمام الذين يعنيهم الأمر فى البلد، لأنها تتساءل فى ألم، عما إذا كان لنا، كدولة، أن نختار إنشاء عشرة آلاف مدرسة، قال وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالى الشربينى، إننا فى حاجة شديدة إليها، أو إنشاء عاصمة إدارية جديدة!
صاحب الرسالة هو الأستاذ أحمد أبوشادى، الذى دار العالم من خلال عمله فى منظمات دولية، وفيها يقول: شعرت بالقهر وأنا أقرأ عمودك عن قطع المياه عن أحياء كاملة، وتوصيلها بهمة فائقة إلى مشروع خيالى يتبناه الرئيس وحده، اسمه العاصمة الإدارية الجديدة.. شعرت بالقهر لسببين أولهما أننى زرت قريتى فى أعماق المنوفية، مستفيداً من هدوء الطرق النسبى يوم الجمعة، ولا يمكن أن تتصور كم البؤس، والبدائية، والإهمال، وأكوام الفضلات على طول جميع الطرق التى سلكناها، وهى بالترتيب: طريق مصر الإسكندرية الزراعى حتى قويسنا، ثم طريق شبين الكوم، ومنها إلى طريق الباجور، فطريق قريتى!
ويقول: معالم إهمال، ولا أقول مظاهر إهمال، وكأنك فى أسوأ مناطق العالم، ولو أنى، رغم أسفارى الكثيرة، لم يحدث أن رأيت أسوأ مما تعيشه بلادى!
أما ثانى الأسباب، فهو شعورى بالقهر، لأنه لا أحد فى الدولة يريد أن يرى حقيقة ما يجرى فى ربوع البلد.. الكل يهرب إلى قناة السويس، التى هى بلدنا أيضاً بالطبع، ولكنها جزء من كل.. والكل يهرب إلى أماكن ومدن جديدة، ولا يريد أحد أن يتمعن فى عمق الإهمال والتخلف المنتشر فى جميع المدن، والقرى، والنجوع، وبعضها يقع تحت ذقون أولى الأمر، ولكن معظمها خارج نطاق الرؤية!
وينهى رسالته فيقول: هى مسؤوليتنا جميعاً، ولكن الدولة هى القائد!
والسؤال هو: كم مصرياً يجد فى أعماقه نفس شعور «أبوشادى»؟!